والسلف على أن هذا التعبير وأمثاله ، من المتشابه الذي استأثر ـ سبحانه ـ بعلمه. مع تنزيهه ـ عزوجل ـ عن المكان والجسمية. ولوازم الحدوث ، التي لا تليق بجلاله.
وقيل : «إليه» أى : إلى عرشه ـ تعالى ـ أو إلى محل بره وكرامته.
قال القرطبي ما ملخصه : قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أى : عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد ، خمسين ألف سنة.
وعن مجاهد : هذا اليوم هو مدة عمر الدنيا ، من أول ما خلقت إلى آخر ما بقي منها ، خمسون ألف سنة.
وقال ابن عباس : هو يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
ثم قال القرطبي : «وهذا القول أحسن ما قيل في الآية ـ إن شاء الله ـ بدليل ما رواه قاسم بن أصبغ من حديث أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» ، فقلت : ما أطول هذا؟ فقال صلىاللهعليهوسلم «والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا».
وفي رواية عن ابن عباس ـ أيضا ـ أنه سئل عن هذه الآية فقال : أيام سماها الله ـ عزوجل ـ ، وهو أعلم بها كيف تكون وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم.
وقيل : ذكر خمسين ألف سنة تمثيل ـ لما يلقاه الناس في موقف الحساب من شدائد ، والعرب تصف أيام الشدة بالطول ، وأيام الفرح بالقصر (١).
وقال بعض العلماء : وقد ذكر ـ سبحانه ـ في سورة السجدة أنه (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
وقال في سورة الحج : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وذكر هنا (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
والجمع بين هذه الآيات من وجهين : أولهما : ما جاء عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج ، هو أحد الأيام الستة التي خلق الله ـ تعالى ـ فيها السموات والأرض.
ويوم الألف في سورة السجدة ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه ـ تعالى ـ.
ويوم الخمسين ألفا هنا : هو يوم القيامة.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٨٢.