وثانيهما : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر.
ويدل لهذا الوجه قوله ـ تعالى ـ : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ، عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (١).
أى : أن يوم القيامة يتفاوت طوله بحسب اختلاف الشدة ، فهو يعادل في حالة ألف سنة من سنى الدنيا ، ويعادل في حالة أخرى خمسين ألف سنة.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَراهُ قَرِيباً ..) متفرع على قوله ـ سبحانه ـ (سَأَلَ سائِلٌ) لأن السؤال كان سؤال استهزاء ، يضيق به الصدر ، وتغتم له النفس.
والصبر الجميل : هو الصبر الذي لا شكوى معه لغير الله ـ عزوجل ـ ولا يخالطه شيء من الجزع ، أو التبرم بقضاء الله وقدره.
أى : لقد سألوك ـ أيها الرسول الكريم ـ عن يوم القيامة ، وعن العذاب الذي تهددهم به ... سؤال تهكم واستعجال .. فاصبر صبرا جميلا على غرورهم وجحودهم وجهالاتهم.
إنهم يرون هذا اليوم وما يصحبه من عذاب .. يرونه «بعيدا» من الإمكان أو من الوقوع ، ولذلك كذبوا بما جئتهم به من عندنا ، واستهزؤا بك .. ونحن نراه قريبا من الإمكان ، بل هو كائن لا محالة في الوقت الذي تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من أهوال هذا اليوم فقال : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً).
ولفظ «يوم» متعلق بقوله : «قريبا» أو بمحذوف يدل عليه قوله : (واقِعٍ) أى : هو واقع هذا العذاب يوم تكون السماء في هيئتها ومظهرها «كالمهل» أى : تكون واهية مسترخية .. كالزيت الذي يتبقى في قعر الإناء.
(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أى : كالصوف المصبوغ ألوانا ، لاختلاف ألوان الجبال ، فإن الجبال إذا فتتت وتمزقت في الجو ، أشبهت الصوف المنفوش إذا طيرته الرياح ، قيل : أول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ، ثم عهنا منفوشا ، ثم هباء منبثا.
ووجه الشبه أن السماء في هذا اليوم تكون في انحلال أجزائها ، كالشىء الباقي في قعر الإناء من الزيت ، وتكون الجبال في تفرق أجزائها كالصوف المصبوغ الذي تطاير في الجو.
وفي هذا اليوم ـ أيضا ـ (لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) أى : لا يسأل صديق صديقه النصرة
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٦ ص ٥٣ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.