تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) [المائدة : ٤٦] الآية ، فقوله : (مُصَدِّقاً) فى الموضعين حال ، الأول من «عيسى» ، والثانى من «الإنجيل». قال العلماء : إنها حال مؤكدة ، إذ مقتضى أن عيسى رسول من الله تعالى ، أن يكون مؤمنا بما فى التوراة ، ومقتضى أن الإنجيل كتاب من الله ، أن يكون مصدقا للتوراة التى هى من عند الله كذلك.
وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) [المائدة : ٤٨] ، قال الخطيب الشربينى فى تفسيره عند هذه الآية ما نصه : ولما كانت الكتب السماوية من شدة تصادقها كالشيء الواحد ، عبر تعالى بالمفرد ، فقال : (مِنَ الْكِتابِ) ، أى الكتب المنزلة التى جاء بها الأنبياء من قبل ، فاللام الأولى فى الكتاب للعهد ؛ لأنه عنى به القرآن ، والثانية للجنس ؛ لأنه عنى به جنس الكتب المنزلة.
فثبت بهذا بطلان قول الكاتب أن العقائد السابقة لا تآخى بينها ، ويجب أن لا يغيب عن البال أن تصادقها إنما هو على ما أوضحناه وبيناه من التوحيد بينها فى الأصول والاختلاف بينها فى الفروع ، وإلا لما قال تعالى فى شأن التوراة : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا) [المائدة : ٤٤].
ولما قال سبحانه فى شأن الإنجيل : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [المائدة : ٤٧] ، وبناء على ما بينها من تصادق واتحاد يجب على كل أصحاب ديانة سابقة أن يدخلوا فى الديانة اللاحقة لها ، متعبدين لله على ما فيها من فروع الأحكام التى تخالف الشريعة السابقة ، وإلا فهم كافرون مخلدون فى النار.
فإن أراد الكاتب بتآخى الإسلام مع بقية الأديان هذا الذى أوضحناه وبيناه لهو صحيح ثم صحيح ، وإن أراد غير ذلك بأن أراد أن ما فى الأديان الأخرى من تشريع يخالف تشريع القرآن صحيح يتعبد به وينال به عند الله الثواب الجزيل والنعيم الدائم ، وأن من صلى من أهل الديانات الأخرى ، وصام ، وحج على وفق ما جاء فى شريعته ، يساوى ويعادل من صلى ، وصام ، وحج على وفق شريعة القرآن ، وأن كلا منهما يرضى عنه الله فى دار البقاء ، فهذا كفر صريح لا شبهة فيه على ما قدمنا من الأدلة والبراهين الملزمة بالدخول فى الإسلام والانضواء تحت لوائه.