وعيدي بالعذاب ، وقيل : بالقرآن وزواجره ، وقيل : هو نفس العذاب ، والوعيد الاسم من الوعد (وَاسْتَفْتَحُوا) معطوف على أوحى ، والمعنى : أنهم استنصروا بالله على أعدائهم ، أو سألوا الله القضاء بينهم ، من الفتاحة وهي الحكومة ؛ ومن المعنى الأوّل قوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (١) أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ؛ ومن المعنى الثاني قوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) (٢) أي : احكم ، والضمير في استفتحوا للرسل ؛ وقيل : للكفار ، وقيل : للفريقين (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا ، هكذا حكاه النحّاس عن أهل اللغة ، والعنيد : المعاند للحق والمجانب له ، وهو مأخوذ من العند ، وهو الناحية ، أي : أخذ في ناحية معرضا. قال الشاعر :
إذا نزلت فاجعلوني وسطا |
|
إنّي كبير لا أطيق العنّدا |
قال الزجّاج : العنيد : الذي يعدل عن القصد ، وبمثله قال الهروي. وقال أبو عبيد : هو الذي عند وبغى ، وقال ابن كيسان : هو الشّامخ بأنفه ؛ وقيل : المراد به العاصي ، وقيل : الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله ؛ ومعنى الآية : أنه خسر وهلك من كان متّصفا بهذه الصفة (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي : من بعده جهنم ، والمراد بعد هلاكه على أن وراءها هنا بمعنى بعد ، ومنه قول النّابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وليس وراء الله للمرء مذهب |
أي : ليس بعد الله ، ومثله قوله : (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) أي : من بعده. كذا قال الفرّاء ، وقيل : (مِنْ وَرائِهِ) أي : من أمامه. قال أبو عبيد : هو من أسماء الأضداد ، لأنّ أحدهما ينقلب إلى الآخر ، ومنه قول الشاعر :
ومن ورائك يوم أنت بالغه |
|
لا حاضر معجز عنه ولا بادي |
وقال آخر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقومي تميم والفلاة ورائيا |
أي : أمامي. ومنه قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٣) أي : أمامهم ، وبقول أبي عبيدة هذا قال قطرب. وقال الأخفش : هو كما يقال : هذا الأمر من ورائك ؛ أي : سوف يأتيك ، وأنا من وراء فلان ، أي : في طلبه. وقال النحّاس : من ورائه ؛ أي : من أمامه ، وليس من الأضداد ، ولكنه من توارى ؛ أي : استتر فصارت جهنم من ورائه ، لأنها لا ترى ، وحكى مثله ابن الأنباري (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) معطوف على مقدّر جوابا عن سؤال سائل. كأنه قيل : فماذا يكون إذن؟ قيل : يلقى فيها ويسقى ، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصدّ. لأنه يصدّ الناظرين عن رؤيته ، وهو دم مختلط بقيح ، والصديد صفة لماء ، وقيل : عطف بيان عنه و (يَتَجَرَّعُهُ) في محل جر على أنه صفة لماء ،
__________________
(١). الأنفال : ١٩.
(٢). الأعراف : ٨٩.
(٣). الكهف : ٧٩.