وحيوصا وحيصانا ، والمعنى : ما لنا وجه نتباعد به عن النار. ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين ، وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : قال للفريقين هذه المقالة ، ومعنى لما قضي الأمر : لما دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار على ما يأتي بيانه في سورة مريم (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب ، ومجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) أي : وعدتكم وعدا باطلا ، بأنه لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك. قال الفراء : وعد الحق هو من إضافة الشيء إلى نفسه كقولهم : مسجد الجامع ، وقال البصريون : وعدكم وعد اليوم الحق (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي : تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أي : إلا مجرّد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان ، ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثني منه ، بل الاستثناء منقطع ، أي : لكن دعوتكم فاستجبتم لي ، أي : فسارعتم إلى إجابتي ؛ وقيل : المراد بالسلطان هنا القهر ؛ أي : ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي ؛ وقيل : هذا الاستثناء هو من باب :
تحية بينهم ضرب وجيع
مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال : إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرّد الدعاء من السلطان ، وليس منه قطعا (فَلا تَلُومُونِي) بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) باستجابتكم لي بمجرّد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة ، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوي الزائغة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ، ولمارنه (١) قطع ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق ودعوته لكم إلى الدار السلام مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول. وقريب من هذا من يقتدي بآراء الرجال المخالفة لما في كتاب الله سبحانه ، ولما سنّه رسوله صلىاللهعليهوسلم ويؤثرها على ما فيهما ، فإنه قد استجاب للباطل الذي لم تقم عليه حجة ولا دلّ عليه برهان ، وترك الحجة والبرهان خلف ظهره كما يفعله كثير من المقتدين بالرجال المتنكبين طريق الحق بسوء اختيارهم ، اللهم غفرا (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) يقال : صرخ فلان إذا استغاث يصرخ صراخا وصرخا ، واستصرخ بمعنى صرخ ، والمصرخ : المغيث ، والمستصرخ : المستغيث ، يقال : استصرخني فأصرخته ، والصريخ : صوت المستصرخ ، والصريخ أيضا : الصارخ وهو المغيث والمستغيث ، وهو من أسماء الأضداد كما في الصحاح. قال ابن الأعرابي : الصّارخ : المستغيث ، والمصرخ : المغيث. ومعنى الآية : ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب ، وما أنتم بمغيثيّ مما أنا فيه ، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه ، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟ وممّا ورد مورد هذه الأقوال من قول العرب قول أمية بن أبي الصّلت :
__________________
(١). المارن : الأنف ، أو طرفه ، أو ما لان منه ومن الرّمح.