فلا تجزعوا إنّي لكم غير مصرخ |
|
وليس لكم عندي غناء ولا نصر |
و «مصرخيّ» بفتح الياء في قراءة الجمهور. وقرأ الأعمش وحمزة بكسر الياء على أصل التقاء الساكنين. قال الفراء : قراءة حمزة وهم منه ، وقلّ من سلم عن خطأ. وقال الزجّاج : هي قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف يعني ما ذكرناه من أنه كسرها على الأصل في التقاء الساكنين. وقال قطرب : هذه لغة يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء ، وأنشد الفراء فيما ورد على هذه القراءة قول الشاعر (١) :
قال لها هل لك يا تافيّ (٢) |
|
قالت له ما أنت بالمرضيّ |
(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) لما كشف لهم القناع بأنه لا يغني عنهم من عذاب الله شيئا ، ولا ينصرهم بنوع من أنواع النصر ، صرّح لهم بأنه كافر بإشراكهم له مع الله في الرّبوبية من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة ، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكا ، ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاما يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم ، فأوضح لهم أولا أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة معارضة لوعد الحق من الله سبحانه وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد ولم يف لهم بشيء منها ؛ ثم أوضح لهم ثانيا بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ، ولا ينفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لا بدّ للعاقل منها في قبول قول غيره ، ثم أوضح ثالثا بأنه لم يكن منه إلا مجرّد الدعوة العاطلة عن البرهان الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء ؛ ثم نعى عليهم رابعا ما وقعوا فيه ، ودفع لومهم له وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم ، لأنّهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يلتبس بطلانه على من له أدنى عقل ؛ ثم وأضح لهم خامسا بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة ولا يستطيع لهم نفعا ولا يدفع عنهم ضرّا ، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة ؛ ثم صرح لهم سادسا بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له فتضاعفت عليهم الحسرات وتوالت عليهم المصائب ، وإذا كان جملة (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) من تتمة كلامه كما ذهب إليه البعض فهو نوع سابع من كلامه الذي خاطبهم به ، فأثبت لهم الظلم ، ثم ذكر ما هو جزاؤهم عليه من العذاب الأليم ، لا على قول من قال : إنه ابتداء كلام من جهة الله سبحانه. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن ما مصدرية في (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) وقيل : يجوز أن تكون موصولة على معنى إني كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله عزوجل ، ويكون هذا حكاية لكفره بالله عند أن أمره بالسجود لآدم (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لما أخبر سبحانه بحال أهل النار أخبر بحال أهل الجنة. وقرأ الجمهور (أُدْخِلَ) على البناء للمفعول ، وقرأ الحسن «وأدخل» على الاستقبال والبناء للفاعل ، أي : وأنا أدخل الذين آمنوا ، ثم ذكر سبحانه خلودهم في الجنات وعدم انقطاع نعيمهم ، ثم ذكر أن ذلك بإذن ربهم ، أي : بتوفيقه ولطفه وهدايته ، هذا على قراءة الجمهور ؛ وإما على قراءة الحسن فيكون (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) متعلقا بقوله :
__________________
(١). هو الأغلب العجلي.
(٢). في المطبوع : قلت لها يا تاء هل لك في. والمثبت من معاني القرآن للفراء (٢ / ٧٦)