لَكُمُ الْأَمْثالَ) في كتب الله وعلى ألسن رسله إيضاحا لكم وتقريرا وتكميلا للحجّة عليكم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) الجملة في محل نصب على الحال ، أي : فعلنا بهم ما فعلنا ، والحال أنهم قد مكروا في ردّ الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم ، الذي استفرغوا فيه وسعهم (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي : وعند الله جزاء مكرهم ، أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم ، أو عند الله مكرهم الذي يمكرهم به على أن يكون المكر مضافا إلى المفعول ؛ وقيل : والمراد بهم قوم محمد صلىاللهعليهوسلم مكروا بالنبي صلىاللهعليهوسلم حين همّوا بقتله أو نفيه ؛ وقيل : المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء ، فاتّخذ لنفسه تابوتا وربط قوائمه بأربعة نسور (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) قرأ عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وإن كاد مكرهم بالدال المهملة مكان النون. وقرأ غيرهم من القراء (وَإِنْ كانَ) بالنون. وقرأ ابن محيصن وابن جريج والكسائي «لتزول» بفتح اللام على أنها لام الابتداء. وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود. قال ابن جرير : الاختيار هذه القراءة ، يعني قراءة الجمهور لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة ؛ فعلى قراءة الكسائي ومن معه تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة ، وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدّته ، أي : وإن الشأن كان مكرهم معدّا لذلك. قال الزجاج : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال ؛ فإنّ الله ينصر دينه ؛ وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون إن هي المخفّفة من الثقيلة ، والمعنى كما مرّ. والثاني أن تكون نافية واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١) والمعنى : ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدّهر ، فالجملة على هذا حال من الضمير في مكروا لا من قوله : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي : والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والخرائطي في مساوئ الأخلاق ، عن ميمون بن مهران في قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) قال : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) قال : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتدّ إليهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (مُهْطِعِينَ) قال : يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) قال : الإقناع رفع رؤوسهم (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) قال : شاخصة أبصارهم (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) ليس فيها شيء من الخير ، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد (مُهْطِعِينَ) قال : مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة (مُهْطِعِينَ) قال : مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) قال : ليس فيها شيء ، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مرة (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) قال : منخرقة لا تعي شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) يقول : أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) هو يوم القيامة.
__________________
(١). البقرة : ١٤٣.