وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) قال : عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) قال : بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) قال : عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) يقول : ما كان مكرهم (لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) يقول : شركهم كقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (١). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) ثم فسّرها فقال : إن جبارا من الجبابرة قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء ، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبّت وغلظت ، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين ، ثم جعل في وسطه خشبة ، ثم ربط أرجلهنّ بأوتاد ، ثم جوّعهنّ ، ثم جعل على رأس الخشبة لحمة ، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت ، ثم ربطهنّ إلى قوائم التابوت ، ثم خلى عنهنّ يردن اللحم ، فذهبن به ما شاء الله ، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى ففتح فقال : أنظر إلى الجبال كأنها الذباب ، قال : أغلق فأغلق ، فطرن به ما شاء الله ، ثم قال : افتح ففتح ، فقال : انظر ماذا ترى؟ فقال : ما أرى إلا السماء وما أراها تزداد إلا بعدا ، قال : صوّب الخشبة ، فصوّبها فانقضت تريد اللحم ، فسمع الجبال هدّتها فكادت تزول عن مراتبها. وقد روى نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في «الدرّ المنثور».
(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١))
(هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢))
(مُخْلِفَ) منتصب على أنه مفعول تحسبنّ ، وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده ، وقيل : وذلك على الاتساع ، والمعنى : مخلف رسله وعده. قال القتبي : هو من المقدّم الذي يوضّحه التأخير ، والمؤخر الذي يوضّحه التقديم وسواء في ذلك مخلف وعده رسله ومخلف رسله وعده ، ومثل ما في الآية قول الشاعر :
ترى الدّور مدخل الظّلّ رأسه |
|
وسائره باد إلى الشّمس أجمع |
وقال الزّمخشري : قدّم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٢) ثم قال رسله : ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم سبحانه بقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) (٣) و (كَتَبَ اللهُ
__________________
(١). مريم : ٩٠.
(٢). آل عمران : ٩.
(٣). غافر : ٥١.