على أمره وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر. قوله (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) الأشدّ : قال سيبويه : جمع ، واحده شدّة. قال الكسائي : واحده شدّ. وقال أبو عبيد : إنه لا واحد له من لفظه عند العرب ، ويردّه قول الشاعر :
عهدي به شدّ النّهار كأنّما |
|
خضب البنان ورأسه بالعظلم (١) |
والأشدّ : هو وقت استكمال القوّة ثم يكون بعده النقصان. قيل : هو ثلاث وثلاثون سنة ، وقيل : بلوغ الحلم ، وقيل : ثماني عشرة سنة ، وقيل غير ذلك مما قد قدّمنا بيانه في النساء والأنعام. والحكم : هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر ، والعلم : هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه ؛ وقيل : العقل والفهم والنبوّة ؛ وقيل : الحكم هو النبوّة ، والعلم : هو العلم بالدين ؛ وقيل : علم الرؤيا. ومن قال إنه أوتي النبوّة صبيا قال : المراد بهذا الحكم والعلم الذي آتاه الله هو الزيادة فيهما (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين ، فكلّ من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه ، وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه به ، وهذا عامّ يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولا أوليّا. قال الطبري : هذا وإن كان مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد صلىاللهعليهوسلم ، يقول الله تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة وأمكّن لك في الأرض. والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن الضحّاك في قوله : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) قال : جاءت سيارة فنزلت على الجبّ (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) فاستسقى الماء فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربّه ، فزهدوا فيه فباعوه ، وكان بيعه حراما ، وباعوه بدراهم معدودة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) يقول : فأرسلوا رسولهم (فَأَدْلى دَلْوَهُ) فنشب الغلام بالدلو ، فلما خرج (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) تباشروا به حين استخرجوه ، وهي بئر ببيت المقدس معلوم مكانها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : يا بشراي قال : كان اسم صاحبه بشرى ، كما تقول يا زيد ، وهذا على ما فيه من البعد لا يتمّ إلا على قراءة من قرأ (يا بُشْرى) بدون إضافة. وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم ، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته واختار البيع فباعه إخوته بثمن بخس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال : أسرّه التجار بعضهم من بعض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) قال : صاحب الدلو ومن معه ، قالوا لأصحابهم : إنا استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا به ، واتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه : استوثقوا منه لا
__________________
(١). شدّ النهار : أي : أشدّه ، يعني أعلاه. «العظلم» : نبت يختضب به.