الأوّل أولى وعليه الجمهور ، وقد صرّح أهل اللغة بأن السكر اسم للخمر ، ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة ، فإنه قال : السكر : الطعم ، وممّا يدلّ على ما قاله جمهور أهل اللغة قول الشاعر :
بئس الصحاب (١) وبئس الشرب شربهم |
|
إذا جرى فيهم الهذي (٢) والسّكر |
وممّا يدلّ على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده :
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي : جعلت ذمّهم طعما ، ورجّح هذا ابن جرير فقال : إن السكر ما يطعم من الطعام ويحلّ شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن ، فاللفظ مختلف والمعنى واحد ، مثل : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (٣). قال الزجاج : قول أبي عبيدة هذا لا يعرف ، وأهل التفسير على خلافه ولا حجة في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس ، وقد حمل السكر جماعة من الحنفية على ما لا يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ ، قالوا : وإنما يمتنّ الله على عباده بما أحلّه لهم لا بما حرّمه عليهم ، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر ، اه. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : لدلالة لمن يستعمل العقل ويعمل بما يقتضيه عند النظر في الآيات التكوينية (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) قد تقدّم الكلام في الوحي وأنه يكون بمعنى الإلهام ، وهو ما يخلقه في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، ومنه قوله سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٤) ، ومن ذلك إلهام البهائم لفعل ما ينفعها وترك ما يضرّها ، وقرأ يحيى بن وثّاب (إِلَى النَّحْلِ) بفتح الحاء. قال الزجاج : وسمي نحلا لأن الله سبحانه نحله العسل الذي يخرج منه. قال الجوهري : والنحل والنحلة الدّبر يقع على الذكر والأنثى (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي : بأن اتخذي ، على أنّ «أن» هي المصدرية ، ويجوز أن تكون تفسيرية ؛ لأن في الإيحاء معنى القول ، وأنّث الضمير في اتخذي لكونه أحد الجائزين كما تقدّم ، أو للحمل على المعنى أو لكون النحل جمعا ، وأهل الحجاز يؤنّثون النحل و (مِنَ) في (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) وكذا في (مِنَ الشَّجَرِ) وكذا في (مِمَّا يَعْرِشُونَ) للتبعيض ، أي : مساكن توافقها وتليق بها في كوى الجبال وتجويف الشجر ، وفي العروش التي يعرشها بنو آدم من الأجباح (٥) والحيطان وغيرها ، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من الخشب ، يقال عرش يعرش بكسر الراء وضمها. وبالضم قرأ ابن عامر وشعبة. وقرأ الباقون بالكسر. وقرئ أيضا بيوتا بكسر الباء وضمّها (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من للتبعيض لأنها تأكل النّور من الأشجار فإذا أكلتها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أي : الطرق التي فهّمك الله وعلّمك ، وأضافها إلى الربّ لأنه خالقها
__________________
(١). في تفسير القرطبي : الصّحاة.
(٢). في تفسير القرطبي : المزّاء.
(٣). يوسف : ٨٦.
(٤). الشمس : ٧ و ٨.
(٥). جاء في القاموس : الجبح ـ يثلث ـ : خلية العسل ، ج أجبح وأجباح.