ابن أبي العيص كان يكره الإسلام ، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة ، وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف ، فنزلت فيهما. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة ، والبخاري في تاريخه ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والضياء في المختارة ، عنه أيضا في قوله : (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) قال : عثمان بن عفان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (كَلٌ) قال : الكلّ : العيال ، كانوا إذا ارتحلوا حملوه على بعير ذلول ، وجعلوا معه نفرا يمسكونه خشية أن يسقط عليهم ، فهو عناء وعذاب وعيال عليهم (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني نفسه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) هو أن يقول : كن فهو كلمح البصر (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) فالساعة كلمح البصر أو هي أقرب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) قال : من الرحم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فِي جَوِّ السَّماءِ) أي : في كبد السماء.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣))
قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ) معطوف على ما قبله وهذا المذكور من جملة أحوال الإنسان ، ومن تعديد نعم الله عليه ، والسكن مصدر يوصف به الواحد والجمع ، وهو بمعنى مسكون ، أي : تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة ، وهذه نعمة ؛ فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ، ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) لما ذكر سبحانه بيوت المدن ، وهي التي للإقامة الطويلة عقبها بذكر بيوت البادية والرحلة ، أي : جعل لكم من جلود الأنعام ، وهي الأنطاع والأدم بيوتا كالخيام والقباب (تَسْتَخِفُّونَها) أي : يخفّ عليكم حملها في الأسفار وغيرها ، ولهذا قال : (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) والظعن بفتح العين وسكونها ، وقرئ بهما ، سير أهل البادية للانتجاع ، والتحوّل من موضع إلى موضع ، ومنه قول عنترة :
ظعن الّذين فراقهم أتوقّع |
|
وجرى ببينهم الغراب الأبقع |
والظعن : الهودج أيضا. (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً) معطوف على (جَعَلَ) أي : وجعل لكم من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها ، والأنعام تعمّ الإبل والبقر والغنم كما تقدّم ، والأصواف للغنم ، والأوبار للإبل ، والأشعار للمعز ، وهي من جملة الغنم ، فيكون ذكر هذه الثلاثة على وجه التنويع