سيدا ، وإنما لم يقل سيدهما ، لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحا فلم يكن سيدا له ، وجملة (قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب ، وما استفهامية ، والمراد بالسوء هنا الزنا ؛ قالت هذه المقالة طلبا منها للحيلة وللستر على نفسها ، فنسبت ما كان منها إلى يوسف ؛ أيّ جزاء يستحقه من فعل مثل فعل هذا ، ثم أجابت عن استفهامها بقولها : (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) أي ما جزاؤه إلا أن يسجن. ويحتمل أن تكون ما نافية ، أي : ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم ؛ قيل : والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط ، والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره ، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل ، وجملة (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) مستأنفة كالجملة الأولى. وقد تقدّم بيان معنى المراودة ، أي : هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءا (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) أي من قرابتها ، وسمّي الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل ، قيل : لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب. قيل : كان ابن عمّ لها واقفا مع العزيز في الباب ، وقيل : ابن خال لها ، وقيل : إنه طفل في المهد تكلم. قال السهيلي : وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذكر من تكلّم في المهد ، وذكر من جملتهم شاهد يوسف ؛ وقيل : إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في أموره ، وكان من قرابة المرأة (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) أي فقال الشاهد هذه المقالة مستدلا على بيان صدق الصادق منهما وكذب الكاذب بأن قميص يوسف إن كان مقطوعا من قبل ، أي : من جهة القبل (فَصَدَقَتْ) أي فقد صدقت بأنه أراد بها سوءا (وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في قوله إنها راودته عن نفسه. وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق «من قبل» بضم اللام. وكذا قرأ : (مِنْ دُبُرٍ) قال الزّجّاج : جعلاهما غايتين كقبل وبعد ، وكأنه قيل من قبله ومن دبره ، فلما حذف المضاف إليه ، وهو مراد ، صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أي من ورائه (فَكَذَبَتْ) في دعواها عليه (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواه عليها ، ولا يخفى أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تلازم بين مقدّميهما وتالييهما ، لا عقلا ولا عادة ، وليس هاهنا إلا مجرد أمارة غير مطردة ، إذ من الجائز أن تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقدّ القميص من دبر ، وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقدّ القميص من قبل (فَلَمَّا رَأى) أي العزيز (قَمِيصَهُ) أي قميص يوسف (قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ) أي هذا الأمر الذي وقع فيه الاختلاف بينكما ، أو أن قولك : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً مِنْ كَيْدِكُنَ) أي من جنس كيدكنّ يا معشر النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) والكيد : المكر والحيلة ، ثم خاطب العزيز يوسف عليهالسلام بقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي عن هذا الأمر الذي جرى واكتمه ولا تتحدّث به ، ثم أقبل عليها بالخطاب فقال : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) الذي وقع منك (إِنَّكِ كُنْتِ) بسبب ذلك (مِنَ الْخاطِئِينَ) أي من جنسهم ، والجملة تعليل لما قبلها من الأمر بالاستغفار ولم يقل من الخاطئات تغليبا للمذكر على المؤنث كما في قوله : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ومعنى من الخاطئين من المتعمدين ، يقال : خطىء ، إذا أذنب متعمدا ؛ وقيل : إن القائل ليوسف ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حكم بينهما.