عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس. قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) قرأ ابن عباس والحسن ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب «ويخرج» بالمثناة التحتية المفتوحة وبالراء المضمومة على معنى : ويخرج له الطائر ، وكتابا منصوب على الحال ، ويجوز أن يكون المعنى : يخرج له الطائر فيصير كتابا. وقرأ يحيى بن وثّاب «يخرج» بضم الياء وكسر الراء : أي يخرج الله. وقرأ شيبة ومحمد بن السّميقع. وروي أيضا عن أبي جعفر «يخرج» بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول ، أي : ويخرج له الطائر كتابا. وقرأ الباقون «ونخرج» بالنون على أن المخرج هو الله سبحانه وكتابا مفعول به ، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله تعالى : (أَلْزَمْناهُ). وقرأ أبو جعفر والحسن وابن عامر يلقاه بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف. وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، وإنما قال سبحانه (يَلْقاهُ مَنْشُوراً) تعجيلا للبشرى بالحسنة وللتوبيخ على السيئة (اقْرَأْ كِتابَكَ) أي : نقول له : اقرأ كتابك ، أو قائلين له ، قيل : يقرأ ذلك الكتاب من كان قارئا ، ومن لم يكن قارئا. (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) الباء في (بِنَفْسِكَ) زائدة و (حَسِيباً) تمييز ؛ أي : حاسبا. قال سيبويه : ضريب القداح بمعنى ضاربها ، وصريم بمعنى صارم ، ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى الكافي ، ثم وضع موضع الشهيد فعدّي بعلى ، والنفس بمعنى الشخص ، ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب ؛ كالشريك والجليس. (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) بيّن سبحانه أنّ ثواب العمل الصالح وعقاب ضدّه يختصان بفاعلهما لا يتعدان منه إلى غيره ، فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ، فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه (وَمَنْ ضَلَ) عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به ، ولم يترك ما نهي عنه (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي : فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها ، فكل أحد محاسب عن نفسه ، مجزيّ بطاعته ، معاقب بمعصيته ، ثم أكّد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) والوزر : الإثم ، يقال : وزر يزر وزرا ووزرة. أي : إثما ، والجمع أوزار ، والوزر : الثقل. ومنه : (يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) (١) أي : أثقال ذنوبهم. ومعنى الآية : لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى ، وقد تقدّم مثل هذا في الأنعام. قال الزجاج في تفسير هذه الآية : إن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته والضالّ بضلاله ، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره ، ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله ، وإنزال كتبه ، فبيّن سبحانه أنه لم يتركهم سدى ، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجّة عليهم ، والظاهر أنه لا يعذّبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل ، وبه قالت طائفة من أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا) اختلف المفسرون في معنى أمرنا على قولين : الأوّل : أن المراد به الأمر الذي هو نقيض النهي ، وعلى هذا اختلفوا في المأمور به ، فالأكثر على أنه الطاعة والخير. وقال في الكشاف : معناه أمرناهم
__________________
(١). الأنعام : ٣١.