حيث الجزم وعدم الثبوت ، فلهذا صحّ دخول النون المؤكدة عليه. وقرأ حمزة والكسائي «يبلغانّ» قال الفراء : ثنّى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما ، ثم قال : (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) على الاستئناف ، وأما على قراءة (يَبْلُغَنَ) فأحدهما فاعل بالاستقلال وقوله : (أَوْ كِلاهُما) فاعل أيضا لكن لا بالاستقلال بل بتبعية العطف ، والأولى أن يكون أحدهما على قراءة «يبلغان» بدل من الضمير الراجع إلى الوالدين في الفعل ويكون كلاهما عطفا على البدل ، ولا يصحّ جعل كلاهما تأكيدا للضمير لاستلزام العطف المشاركة ، ومعنى عندك في كنفك وكفالتك ، وتوحيد الضمير في عندك ولا تقل وما بعدهما للإشعار بأن كل فرد من الأفراد منهيّ بما فيه النهي ، ومأمور بما فيه الأمر ، ومعنى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) لا تقل لواحد منهما في حالتي الاجتماع والانفراد ، وليس المراد حالة الاجتماع فقط ؛ وفي أفّ لغات : ضم الهمزة مع الحركات الثلاث في الفاء ، وبالتنوين وعدمه ، وبكسر الهمز والفاء بلا تنوين ، وأفّي ممالا (١) ، وأفّه بالهاء. قال الفراء : تقول العرب : فلان يتأفف من ريح وجدها ، أي : يقول أف أف. وقال الأصمعي : الأف : وسخ الأذن ، والتّف : وسخ الأظفار ، يقال ذلك عند استقذار الشيء ، ثم كثر حتى استعملوه في كل ما يتأذون به. وروى ثعلب عن ابن الأعرابيّ أن الأف الضجر ، وقال القتبي : أصله أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله ، فالصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قول القائل : أفّ ، ثم توسّعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم. وقال الزجاج : معناه النتن. وقال أبو عمرو بن العلاء : الأف وسخ بين الأظفار والتّف قلامتها. والحاصل أنه اسم فعل ينبئ عن التضجر والاستثقال ، أو صوت ينبئ عن ذلك ، فنهي الولد عن أن يظهر منه ما يدل على التضجر من أبويه أو الاستثقال لهما ، وبهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيهما بفحوى الخطاب أو بلحنه كما هو متقرّر في الأصول (وَلا تَنْهَرْهُما) النهر : الزجر والغلظة ، يقال : نهره وانتهره ؛ إذا استقبله بكلام يزجره ، قال الزجاج : معناه لا تكلّمهما ضجرا صائحا في وجوههما (وَقُلْ لَهُما) بدل التأفيف والنهر (قَوْلاً كَرِيماً) أي : لينا لطيفا أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع التأدب والحياء والاحتشام (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين : الأوّل : أن الطائر إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه ، فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير ، فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك. والثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد النزول خفض جناحه ، فصار خفض الجناح كناية عن التواضع وترك الارتفاع. وفي إضافة الجناح إلى الذلّ وجهان : الأوّل : أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك حاتم الجود ، فالأصل فيه الجناح الذليل ، والثاني : سلوك سبيل الاستعارة ، كأنه تخيل للذلّ جناحا ، ثم أثبت لذلك الجناح خفضا. وقرأ الجمهور الذلّ بضم الذال من ذلّ يذلّ ذلا وذلة ومذلة فهو ذليل. وقرأ سعيد بن جبير وعروة بن الزبير بكسر الذال ، وروي ذلك عن ابن عباس وعاصم ، من قولهم دابة ذلول بيّنة الذّلّ ؛ أي : منقادة سهلة لا صعوبة فيها ، ومن الرحمة فيه معنى التعليل ، أي : من أجل فرط الشفقة والعطف
__________________
(١). قراءة على الإمالة.