قل لهم يأمروا بما أمر الله وينهوا عما نهى عنه ؛ وقيل : هذه الآية للمؤمنين فيما بينهم خاصة ، والأوّل أولى كما يشهد به السبب الذي سنذكره إن شاء الله (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي : بالفساد وإلقاء العداوة والإغراء. قال اليزيدي : يقال : نزغ بيننا ، أي : أفسد. وقال غيره : النزغ : الإغراء (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) أي : متظاهرا بالعداوة مكاشفا بها ، وهو تعليل لما قبله ، وقد تقدّم مثل هذا في البقرة (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) قيل : هذا خطاب للمشركين. والمعنى : إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم على الشرك فيعذبكم ؛ وقيل : هو خطاب للمؤمنين ، أي : إن يشأ يرحمكم بأن يحفظكم من الكفار ، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم ؛ وقيل : إن هذا تفسير لكلمة «التي هي أحسن» (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي : ما وكّلناك في منعهم من الكفر ، وقسرهم على الإيمان ؛ وقيل : ما جعلناك كفيلا لهم تؤخذ بهم ، ومنه قول الشاعر :
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنّني |
|
بردّ الأمور الماضيات وكيل |
أي : كفيل (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أعلم بهم ذاتا وحالا واستحقاقا ، وهو أعمّ من قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) لأن هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته ، وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم ، وهذا كالتوطئة لقوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) أي : إن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه ، وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله. وقد تقدّم هذا في البقرة. وقد اتخذ الله إبراهيم خليلا ، وموسى كليما ، وجعل عيسى كلمته وروحه ، وجعل لسليمان ملكا عظيما ، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وجعله سيد ولد آدم. وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار ممّا يحكيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ارتفاع درجته عند ربه عزوجل ، ثم ذكر ما فضل به داود ، فقال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) أي : كتابا مزبورا. قال الزجّاج : أي : فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن ؛ فقد أعطى الله داود زبورا.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَرُفاتاً) قال : غبارا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَرُفاتاً) قال : ترابا ، وفي قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) قال : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله : (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال : الموت ، لو كنتم موتى لأحييتكم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير والحاكم عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن الحسن مثله أيضا. وأخرج عبد الله ابن أحمد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه ، وزاد : قال : فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) قال : سيحركونها استهزاء. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) قال : الإعادة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :