نفسه ليس بشيء يعقل ويحسّ حتى يقع الترقي من الحديد إليه (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) إذا كنا عظاما ورفاتا ، أو حجارة أو حديدا مع ما بين الحالتين من التفاوت (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدّمة (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) أي : يحرّكونها استهزاء ، يقال : نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا ، أي : تحرّك ، وأنغض رأسه حرّكه كالمتعجّب ، ومنه قول الراجز :
أنغض نحوي رأسه وأقنعا
وقول الراجز الآخر :
ونغضت من هرم أسنانها
وقال آخر :
لمّا رأتني أنغضت لي رأسها (١)
(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) أي : البعث والإعادة ، استهزاء منهم وسخرية (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) أي : هو قريب ؛ لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع ، ومثله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٢) وكلّ ما هو آت قريب (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) الظرف منتصب بفعل مضمر ، أي : اذكر ، أو بدل من قريبا ، أو التقدير : يوم يدعوكم كان ما كان ، الدعاء : النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق ؛ وقيل : هو الصيحة التي تسمعونها ، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) أي : منقادين له ، حامدين لما فعله بكم ، فهو في محل نصب على الحال. وقيل : المعنى : فتستجيبون والحمد لله ، كما قال الشاعر :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر |
|
لبست ولا من غدرة أتقنّع |
وقد روي أنّ الكفّار عند خروجهم من قبورهم يقولون : سبحانك وبحمدك ؛ وقيل : المراد بالدعاء هنا البعث وبالاستجابة أنهم يبعثون ، فالمعنى : يوم يبعثكم فتبعثون منقادين (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي : تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا زمنا قليلا ؛ وقيل : بين النفختين ، وذلك أن العذاب يكفّ عن المعذبين بين النفختين ، وذلك أربعون عاما ينامون فيها ، فلذلك : (قالُوا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (٣) ، وقيل : إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة ، فقالوا هذه المقالة (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : قل يا محمد لعبادي المؤمنين إنهم يقولون عند محاورتهم للمشركين الكلمة التي هي أحسن من غيرها من الكلام الحسن ، كقوله سبحانه : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤) وقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٥) لأن المخاشنة لهم ربما تنفرهم عن الإجابة أو تؤدي إلى ما قال سبحانه : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٦) وهذا كان قبل نزول آية السيف ؛ وقيل : المعنى :
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١٠ / ٢٧٥) : الرأسا.
(٢). الأحزاب : ٦٣.
(٣). يس : ٥٢.
(٤). العنكبوت : ٤٦.
(٥). طه : ٤٤.
(٦). الأنعام : ١٠٨.