(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥))
لما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النبوّات حكى شبهتهم في أمر المعاد ، فقال : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) والاستفهام للاستنكار والاستبعاد. وتقرير الشبهة أنّ الإنسان إذا مات جفت عظامه وتناثرت وتفرقت في جوانب العالم ، واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر ، فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها ، ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع؟ فأجاب سبحانه عنهم بأن إعادة بدن الميت إلى حال الحياة أمر ممكن ، ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ومن رطوبة الحي كالحجارة والحديد ، فهو كقول القائل : أتطمع في وأنا ابن فلان ، فيقول : كن ابن السلطان أو ابن من شئت ، فسأطلب منك حقي. والرفات : ما تكسر وبلي من كلّ شيء كالفتات والحطام والرضاض ، قاله أبو عبيدة والكسائي والفراء والأخفش ، تقول منه : رفت الشيء رفتا ، أي : حطم ؛ فهو مرفوت. وقيل الرفات : الغبار ، وقيل : التراب (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) كرّر الاستفهام الدالّ على الاستنكار والاستبعاد تأكيدا وتقريرا ، والعامل في إذا هو ما دلّ عليه لمبعوثون ، لا هو نفسه ، لأن ما بعد إنّ والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها ، والتقدير : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً) ورفاتا نبعث أإنا لمبعوثون ، وانتصاب خلقا على المصدرية من غير لفظه ، أو على الحال ، أي : مخلوقين ، وجديدا صفة له (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً ـ أَوْ خَلْقاً) آخر (مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال ابن جرير : معناه إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم على ذلك ، وقال علي ابن عيسى : معناه إنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عزوجل إذا أرادكم. إلا أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ في الإلزام ؛ وقيل : معناه : لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم ، قال النحاس : وهذا قول حسن ، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديدا ، وإنما المعنى أنهم قد أقرّوا بخالقهم وأنكروا البعث ، فقيل لهم : استشعروا أن تكونوا ما شئتم ، فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة. قلت : وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي : يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة ، وقيل : المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس. وقال جماعة من الصحابة والتابعين : المراد به الموت ؛ لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه. والمعنى : لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم ، ولا يخفى ما في هذا من البعد ، فإن معنى الآية الترقي من الحجارة إلى الحديد ، ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه ، والموت