أشكو إليك سنة قد أجحفت |
|
جهدا إلى جهد بنا وأضعفت |
واحتنكت أموالنا واجتلفت |
أي : استأصلت أموالنا. واللام في (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) هي الموطئة ، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه ، أو قاله لما ظنّه من قوة نفوذ كيده في بني آدم ، وأنه يجري منهم في مجاري الدم ، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده ، وتنفق لديهم وسوسته ؛ إلا من عصم الله ، وهم المرادون بقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) (١) فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتمادا على الظنّ ؛ وقيل : إنه استنبط ذلك من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٢) ، وقيل : علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات ، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم ؛ فقبل منه ذلك ، ولم يجد له عزما ، كما روي عن الحسن (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي : أطاعك (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) أي : إبليس ومن أطاعه (جَزاءً مَوْفُوراً) أي : وافرا مكملا ، يقال : وفرته أفره وفرا ، ووفر المال بنفسه يفر وفورا ، فهو وافر ، فهو مصدر ، ومنه قول زهير :
ومن يجعل المعروف من دون عرضه |
|
يفره ومن لا يتّقي الشّتم يشتم |
ثم كرّر سبحانه الإمهال لإبليس اللعين فقال : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) أي : استزعج واستخف من استطعت من بني آدم ، يقال : أفزه واستفزه ، أي : أزعجه واستخفّه ، والمعنى : استخفهم بصوتك داعيا لهم إلى معصية الله ، وقيل : هو الغناء واللهو واللعب والمزامير (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال الفراء وأبو عبيدة : أجلب من الجلبة والصياح ، أي : صح عليهم. وقال الزجّاج : أي اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك ، فالإجلاب : الجمع ، والباء في (بِخَيْلِكَ) زائدة. وقال ابن السّكّيت : الإجلاب الإعانة ، والخيل تقع على الفرسان كقوله صلىاللهعليهوسلم : «يا خيل الله اركبي» ، وتقع على الأفراس ، والرجل بسكون الجيم : جمع رجل ، كتاجر وتجر ، وصاحب وصحب ؛ وقرأ حفص بكسر الجيم على أنه صفة. قال أبو زيد : يقال رجل ورجل ، بمعنى راجل ، فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان ، أو المراد كل راكب وراجل في معصية الله (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أما المشاركة في الأموال ، فهي : كلّ تصرّف فيها يخالف وجه الشرع ، سواء كان أخذا من غير حق ، أو وضعا في غير حق كالغصب والسرقة والربا ، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام وجعلها بحيرة وسائبة ، والمشاركة في الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي ، وتحصيله بالزنا وتسميتهم بعبد اللات وعبد العزّى ، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر وأفعال السوء ، ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق ، ووأد البنات وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها ، ومن ذلك مشاركة الشيطان للمجامع إذا لم يسمّ ، ثم قال : (وَعِدْهُمْ) قال الفراء :
__________________
(١). سبأ : ٢٠.
(٢). البقرة : ٣٠.