قل لهم لا جنة لا نار. وقال الزجّاج : وعدهم بأنهم لا يبعثون (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي : باطلا ، وأصل الغرور تزيين الخطأ بما يوهم الصواب ؛ وقيل : معناه : وعدهم النصرة على من خالفهم ، وهذه الأوامر للشيطان من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ وقيل : هي على طريقة الاستخفاف به وبمن تبعه (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) يعني عباده المؤمنين كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون ؛ لما في الإضافة من التشريف ؛ وقيل : المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله في غير هذا الموضع : (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (١) ، والمراد بالسلطان : التّسلّط (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) يتوكّلون عليه ، فهو الذي يدفع عنهم كيد الشيطان ، ويعصمهم من إغوائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال إبليس : إنّ آدم خلق من تراب ومن طين ، خلق ضعيفا وإني خلقت من نار ، والنار تحرق كلّ شيء (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) فصدّق ظنّه عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) قال : لأستولينّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) قال : لأحتوينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لأضلنّهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (مَوْفُوراً) قال : وافرا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) قال : صوته كلّ داع إلى معصية الله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ) قال : كل راكب في معصية الله (وَرَجِلِكَ) قال : كل راجل في معصية الله (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) قال : كل مال في معصية الله (وَالْأَوْلادِ) قال : كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال : كلّ خيل تسير في معصية الله ، وكل مال أخذ بغير حقّه ، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : (الْأَمْوالِ) ما كانوا يحرّمون من أنعامهم (وَالْأَوْلادِ) أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : (الْأَمْوالِ) : البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله (وَالْأَوْلادِ) سمّوا عبد الحارث وعبد شمس.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠))
__________________
(١). الحجر : ٤٢.