ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد حاصب ، ومنه قول الفرزدق :
مستقبلين جبال (١) الشام تضربنا |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
(ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) أي : حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس الله (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) أي : في البحر مرة أخرى بأن يقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى ركوبه ، وجاء بفي ولم يقل إلى البحر للدلالة على استقرارهم فيه (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) القاصف : الريح الشديدة التي تكسر بشدّة ، من قصف الشيء يقصفه ، أي : كسره بشدّة ، والقصف : الكسر ، أو هو الريح التي لها قصيف ، أي : صوت شديد ، من قولهم : رعد قاصف ، أي : شديد الصوت (فَيُغْرِقَكُمْ) قرأ أبو جعفر وشيبة ورويس ومجاهد فتغرقكم بالتاء الفوقية على أن فاعله الريح ، وقرأ الحسن وقتادة وابن وردان فيغرّقكم بالتحتية والتشديد في الراء. وقرأ أبو جعفر أيضا : الرياح. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون في جميع هذه الأفعال. وقرأ الباقون بالياء التحتية في جميعها أيضا ، والباء في بما كفرتم للسببية ؛ أي : بسبب كفركم (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) أي : ثائرا يطالبنا بما فعلنا. قال الزّجّاج : لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم. قال النحّاس : وهو من الثأر ، وكذا يقال لكل من طلب بثأر أو غيره : تبيع وتابع (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله بها على بني آدم ، أي : كرّمناهم جميعا ، وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصّهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله. وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التّكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم ، وسائر الحيوانات تأكل بالفم ، وكذا حكاه النحّاس. وقيل : ميّزهم بالنطق والعقل والتمييز ، وقيل : أكرم الرجال باللّحى والنساء بالذوائب. وقال ابن جرير : أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم ، وقيل : بالكلام والخط والفهم ، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء. وأعظم خصال التكريم العقل ، فإن به تسلّطوا على سائر الحيوانات ، وميّزوا بين الحسن والقبيح ، وتوسّعوا في المطاعم والمشارب ، وكسبوا الأموال التي تسبّبوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان ، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم ممّا يخافون ، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحرّ والبرد ؛ وقيل : تكريمهم هو أن جعل محمدا صلىاللهعليهوسلم منهم (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم ، حملهم سبحانه في البرّ على الدواب ، وفي البحر على السفن ، وقيل : حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي : لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذّونه وينتفعون به (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه ، فأفاد ذلك أن بني آدم فضّلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته ، وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع ، وهو تعسف لا حاجة إليه.
وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلّق به فائدة ، وهو مسألة تفضيل الملائكة على
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١٠ / ٢٩٢) : شمال.