أمره سبحانه أن يجيب على السائلين له عن الروح فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) من بيانية ، والأمر الشأن ، والإضافة للاختصاص ، أي : هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده ؛ وقيل : معنى (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) من وحيه وكلامه لا من كلام البشر ؛ وفي هذه الآية ما يزجر الخائضين في شأن الرّوح المتكلّفين لبيان ما هيئته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر ، ويردعهم أعظم ردع ، وقد أطالوا المقال في هذا البحث بما لا يتمّ له المقام ، وغالبه بل كلّه من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا.
وقد حكى بعض المحقّقين أنّ أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر ومائة قول ، فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع ، بعد أن علموا أن الله سبحانه قد استأثر بعلمه ، ولم يطلع عليه أنبياءه ، ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته ، فضلا عن أممهم المقتدين بهم ، فيا لله العجب حيث تبلغ أقوال أهل الفضول إلى هذا الحدّ الذي لم تبلغه ولا بعضه في غير هذه المسألة مما أذن الله بالكلام فيه ، ولم يستأثر بعلمه. ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أي : إن علمكم الذي علمكم الله ، ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه ، وإن أوتي حظا من العلم وافرا ، بل علم الأنبياء عليهمالسلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر ، كما في حديث موسى والخضر عليهماالسلام.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال : دلوك الشمس غروبها ، تقول العرب إذا غربت الشمس : دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي قال : دلوكها : غروبها. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ، قال : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) لزوال الشمس ، وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دلوك الشمس زوالها» وضعّف السيوطي إسناده. وأخرجه مالك في الموطأ وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال : «دلوك الشمس زياغها بعد نصف النهار». وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس قال : دلوكها : زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه في قوله : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) قال : إذا فاء الفيء. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلّى بي الظهر». وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه ، مما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال دعوت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشّمس» ، وفي إسناده رجل مجهول ، ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار عن أبي عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر فذكر نحوه مرفوعا. وأخرج الطبراني عن