وأبي سفيان والنضر بن الحارث ، ثم علّقوا نفي إيمانهم بغاية طلبوها فقالوا : (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) قرأ حمزة والكسائي وعاصم «حتى تفجر» مخففا مثل تقتل. وقرأ الباقون بالتشديد ، ولم يختلفوا في (فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ) أنها مشدّدة ، ووجّه ذلك أبو حاتم بأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد ، والثانية بعدها الأنهار وهي جمع. وأجيب عنه بأن الينبوع وإن كان واحدا في اللفظ فالمراد به الجمع ، فإن الينبوع العيون التي لا تنضب. ويردّ بأن الينبوع عين الماء والجمع الينابيع ، وإنما يقال للعين ينبوع إذا كانت غزيرة من شأنها النبوع من غير انقطاع ، والياء زائدة كيعبوب من عبّ الماء (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) أي : بستان تستر أشجاره أرضه. والمعنى : هب أنك لا تفجر الأنهار لأجلنا ففجرها من أجلك بأن تكون لك جنة (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ) أي : تجريها بقوة (خِلالَها تَفْجِيراً) أي : وسطها تفجيرا كثيرا (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) قرأ مجاهد (أَوْ تُسْقِطَ) مسندا إلى السماء. وقرأ من عداه (أَوْ تُسْقِطَ) على الخطاب ، أي : أو تسقط أنت يا محمد السماء. والكسف بفتح السين جمع كسفة ، وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم ، والكسفة : القطعة. وقرأ الباقون (كِسَفاً) بإسكان السّين. قال الأخفش : من قرأ بإسكان السين جعله واحدا ومن قرأ بفتحها جعله جمعا. قال المهدوي : ويجوز أن يكون على قراءة السكون جمع كسفة ، ويجوز أن يكون مصدرا. قال الجوهري : الكسفة القطعة من الشيء ، يقال : أعطني كسفة من ثوبك ، والجمع كسف وكسف ، ويقال : الكسف والكسفة واحد ، وانتصاب كسفا على الحال ، والكاف في كما زعمت في محل نصب على أنه صفة مصدر محذوف ، أي : إسقاطا مماثلا لما زعمت ، يعنون بذلك قول الله سبحانه : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (١). قال أبو علي : الكسف : بالسكون ؛ الشيء المقطوع ، كالطحن للمطحون ، واشتقاقه على ما قال أبو زيد من كسفت الثوب كسفا إذا قطعته. وقال الزجّاج : من كسفت الشيء إذا غطّيته ، كأنه قيل : أو تسقطها طبقا علينا (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً).
اختلف المفسرون في معنى (قَبِيلاً) فقيل : معناه : معاينة ، قاله قتادة وابن جريج ، واختاره أبو علي الفارسي فقال : إذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنكير والنذير. وقيل : معناه كفيلا ، قاله الضحّاك ، وقيل : شهيدا ، قاله مقاتل ، وقيل : هو جمع القبيلة ، أي : تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة ، قاله مجاهد وعطاء ، وقيل : ضمنا ، وقيل : مقابلا كالعشير والمعاشر (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أي : من ذهب ، وبه قرأ ابن مسعود ، وأصله الزينة ، والمزخرف : المزيّن ، وزخارف الماء : طرائقه. وقال الزجاج : هو الزينة ، فرجع إلى الأصل معنى الزخرف ، وهو بعيد لأنه يصير المعنى : أو يكون لك بيت من زينة (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أي : تصعد في معارجها ، يقال : رقيت في السلم إذا صعدت وارتقيت مثله. (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) أي : لأجل رقيك ، وهو مصدر نحو مضى يمضي مضيا وهوى يهوي هويا (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) أي حتى تنزل علينا من السماء كتابا يصدقك ويدل على نبوّتك نقرؤه جميعا ، أو يقرؤه
__________________
(١). سبأ : ٩.