كل واحد منا ، وقيل : معناه : كتابا من الله إلى كل واحد منا كما في قوله : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (١) فأمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يأتي بما يفيد التعجب من قولهم ، والتنزيه للربّ سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) أي : تنزيها لله عن أن يعجز عن شيء. وقرأ أهل مكة والشام «قال سبحان ربي» يعني النبي صلىاللهعليهوسلم (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً) من البشر لا ملكا حتى أصعد السماء (رَسُولاً) مأمورا من الله سبحانه بإبلاغكم ، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشرا قدر على شيء منها؟ وإن أردتم أنّي أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي ، فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك ، لأنّ بها يتبيّن صدقه ، ولا ضرورة إلى طلب الزيادة ، وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكّم على ربي بما ليس بضروري ، ولا دعت إليه حاجة ، ولو لزمتني الإجابة لكل متعنّت لاقترح كلّ معاند في كل وقت اقتراحات ، وطلب لنفسه إظهار آيات ، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا ، وتنزّه عن تعنتاتهم ، وتقدّس عن اقتراحاتهم.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع ، قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف؟ قال : يسرى عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلا رفعت ، فتصبحون وليس فيكم منه شيء ، ثم قرأ : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) وقد روي عنه هذا من طرق. وأخرج ابن عديّ عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفا. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عن أبي هريرة موقوفا نحوه أيضا. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعا نحوه أيضا. وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا نحوه أيضا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعا نحوه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم محمود بن سيحان ونعيمان بن أحي (٢) وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم ، فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله ، فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة؟ فقال لهم : والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله ، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ)» الآية. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ، ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري أخا بني أسيد والأسود ابن عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه ، وذكر حديثا طويلا يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه ، وأن ذلك كان سبب نزول قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) إلى قوله : (بَشَراً رَسُولاً). وإسناده عند
__________________
(١). المدثر : ٥٢.
(٢). كذا في الدر المنثور. وفي ابن جرير : عمر بن أضا.