لا يكون جملة ، ولكن الفاعل ما دلّ عليه «بدا» وهو المصدر ، كما قال الشاعر :
وحقّ لمن أبو موسى أبوه |
|
يوفّقه الذي نصب الجبالا |
أي : وحقّ الحقّ ، فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه ، وقيل : الفاعل المحذوف هو رأي ؛ أي : وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل ، وهذا الفاعل حذف لدلالة ليسجننه عليه ، واللام في ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول : أي ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين : والله ليسجننه. وقرئ «لتسجننه» بالمثناة الفوقية على الخطاب ، إما للعزيز ومن معه ، أو له وحده على طريق التعظيم ، والآيات ؛ قيل : هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي ؛ وقيل : هي البركات التي فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ، ولم يجد ذلك فيهم ، بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه ، الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف ، وإنفاذ ما تقدّم منها من الوعيد له بقولها : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ). قيل : وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة ، وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه ؛ وقيل : إنّ العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته ، لما علم أنها قد صارت بمكان من حبّه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أيّ صفة كانت. ومعنى قوله : (حَتَّى حِينٍ) إلى مدّة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين ، وقيل : إلى انقطاع ما شاع في المدينة. وقال سعيد بن جبير : إلى سبع سنين ، وقيل : إلى خمس ، وقيل : إلى ستة أشهر ، وقد تقدّم في البقرة الكلام في تفسير الحين ، وحتى بمعنى إلى. قوله : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) في الكلام حذف متقدّم عليه ، والتقدير : وبدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه ، ودخل معه السجن فتيان ، ومع للمصاحبة ، وفتيان تثنية فتى ، وذلك يدلّ على أنهما عبدان له ، ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا ؛ وقد قيل : إن أحدهما خبّاز الملك ، والآخر ساقيه ، وقد كانا وضعا للملك سمّا لما ضمن لهما أهل مصر مالا في مقابلة ذلك ، ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك : لا تأكل الطعام فإنه مسموم ، وقال الخباز : لا تشرب فإن الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشرب فشرب فلم يضرّه ، وقال للخباز : كل ، فأبى ، فجرّب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما ، وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف ، وقيل : قبله ، وقيل : بعده. قال ابن جرير : إنهما سألا يوسف عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ، فسألاه عن رؤياهما كما قصّ الله سبحانه : (قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي رأيتني ، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة. والمعنى : إني أراني أعصر عنبا ، فسمّاه باسم ما يؤول إليه لكونه المقصود من العصر. وفي قراءة ابن مسعود أعصر عنبا. قال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب ، فقال له : ما معك؟ فقال : خمر. وقيل : معنى أعصر خمرا ؛ أي : عنب خمر ، فهو على حذف المضاف ، وهذا الذي رأى هذه الرؤيا هو الساقي ، وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال ، وكذلك الجملة التي بعدها وهي : (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) ثم وصف الخبز هذا بقوله : (تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) وهذا الرائي لهذه الرؤيا هو الخباز ، ثم قالا ليوسف جميعا بعد أن قصّا رؤياهما عليه : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أي بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين ، أو بتأويل