بذلك ، فقد آمن به أهل العلم وخشعوا له وخضعوا عند تلاوته عليهم خضوعا ظهر أثره البالغ بكونهم يخرّون على أذقانهم سجدا لله (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) أي : يقولون في سجودهم تنزيها لربنا عما يقوله الجاهلون من التكذيب أو تنزيها له عن خلف وعده (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) إن هذه هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة. ثم ذكر أنهم خروا لأذقانهم باكين فقال : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) وكرّر ذكر الخرور للأذقان لاختلاف السبب ، فإن الأول لتعظيم الله سبحانه وتنزيهه ، والثاني للبكاء بتأثير مواعظ القرآن في قلوبهم ومزيد خشوعهم ، ولهذا قال : (وَيَزِيدُهُمْ) أي : سماع القرآن ، أو القرآن بسماعهم له (خُشُوعاً) أي : لين قلب ورطوبة عين.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (تِسْعَ آياتٍ) فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : يده ، وعصاه ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضّفادع ، والدم. وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد ، والترمذي وصحّحه ، والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن قانع ، والحاكم وصحّحه ، وأبو نعيم والبيهقي وابن مردويه عن صفوان بن عسّال : «أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبيّ نسأله ، فأتياه فسألاه عن قول الله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) فقال : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ، ولا تسرفوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة. أو قال : لا تفروا من الزحف ـ شك شعبة ـ وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت ، فقبّلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبيّ الله ، قال : فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا : إن داود دعا الله أن يزاد في ذريته نبيّ ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود». وأخرج ابن أبي الدنيا في «ذمّ الغضب» عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) قال : مخالفا ، وقال : الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسبّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس (مَثْبُوراً) قال : ملعونا. وأخرج الشيرازي في الألقاب ، وابن مردويه عنه قال : قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضا لفيفا قال : جميعا. وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ «وقرآنا فرقناه» مثقلا قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة ، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا ، ففرّقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (فَرَقْناهُ) قال : فصّلناه على مكث بأمد (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) يقول : للوجوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) قال : كتابهم.