ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال : أيهم أتمّ عقلا. وأخرج عن الحسن (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال : أشدهم للدنيا تركا. وأخرج أيضا عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز الخراب.
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦))
قوله : (أَمْ حَسِبْتَ) «أم» هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة عند الجمهور ، وببل وحدها عند بعضهم ، والتقدير : بل أحسبت ، أو : بل حسبت ، ومعناها الانتقال من حديث إلى حديث آخر ، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل. والمعنى : أن القوم لما تعجّبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان ، قال سبحانه : بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلّها عجب ، فإن من كان قادرا على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء ، ثم جعل ما عليها صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس ، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة ، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة ، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. و (عَجَباً) منتصبة على أنه خبر كان ، أي ذات عجب ، أو موصوفة بالعجب مبالغة ، و (مِنْ آياتِنا) في محل نصب على الحال ، و (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر ، وهو اذكر ، أي : صاروا إليه وجعلوه مأواهم ، والفتية هم أصحاب الكهف ، والكهف : هو الغار الواسع في الجبل. فإن كان صغيرا سمّي غارا ، والرقيم قال كعب والسدي : إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف. وقال سعيد بن جبير ومجاهد : إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. قال الفراء : ويروى أنه إنّما سمّي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه. والرقم : الكتابة. وروي مثل ذلك عن ابن عباس. ومنه قول العجاج في أرجوزة له :
ومستقرّ المصحف المرقّم
وقيل : إن الرقيم اسم كلبهم ، وقيل : هو اسم الوادي الذي كانوا فيه ، وقيل : اسم الجبل الذي فيه الغار.