(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١))
قوله : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه ، قيل : ويحتمل أن يكون معنى قوله : (وَاتْلُ) واتبع ، أمرا من التلوّ ، لا من التلاوة ، و (مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) بيان للذي أوحي إليه (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي : لا قادر على تبديلها وتغييرها ، وإنما يقدر على ذلك هو وحده. قال الزجّاج : أي : ما أخبر الله به وما أمر به فلا مبدّل له ، وعلى هذا يكون التقدير : لا مبدّل لحكم كلماته (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) الملتحد : الملتجأ ، وأصل اللحد : الميل. قال الزجاج : لن تجد معدلا عن أمره ونهيه ، والمعنى : أنك إن لم تتبع القرآن وتتله ، وتعمل بأحكامه لن تجد معدلا تعدل إليه ومكانا تميل إليه ، وهذه الآية آخر قصة أهل الكهف. ثم شرع سبحانه في نوع آخر ، كما هو دأب الكتاب العزيز ، فقال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) قد تقدّم في الأنعام نهيه صلىاللهعليهوسلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (١) وأمره سبحانه هاهنا بأن يحبس نفسه معهم ، فصبر النفس هو حبسها ، وذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات. وقيل : في طرفي النهار ، وقيل : المراد صلاة العصر والفجر. وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر «بالغدوة» بالواو ، واحتجّوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو. قال النحّاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة ، ومعنى (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أنهم يريدون بدعائهم رضا الله سبحانه ، والجملة في محل نصب على الحال ، ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم ، فقال : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أي : لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم. قال الفرّاء : معناه لا تصرف عيناك عنهم ، وقال الزجّاج : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة ، واستعماله ب «عن» لتضمّنه معنى النبوّ ، من عدوته عن الأمر ، أي : صرفته منه ، وقيل : معناه لا تحتقرهم عيناك (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : مجالسة أهل الشرف والغنى ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي : حال كونك مريدا لذلك ، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن كان الفاعل ضميرا يعود إلى العينين ، فالتقدير : مريدة زينة الحياة الدنيا ، وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز ، وتوحيد
__________________
(١). الأنعام : ٥٢.