الضمير للتلازم كقول الشاعر :
لمن زحلوقة زلّ |
|
بها العينان تنهلّ |
(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) أي : جعلناه غافلا بالختم عليه ، نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلا عن ذكره ، كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحّي الفقراء عن مجلسه ، فإنهم طالبو تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله ، ومع هذا فهم ممّن اتبع هواه ، وآثره على الحق ، فاختار الشرك على التوحيد (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي : متجاوزا عن حدّ الاعتدال ، من قولهم : فرس فرط إذا كان متقدما للخيل ، فهو على هذا من الإفراط ، وقيل : هو من التفريط ، وهو التقصير والتضييع. قال الزجّاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه ، ثم بين سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوسلم ما يقوله لأولئك الغافلين ، فقال : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : قل لهم : إن ما أوحي إليك ، وأمرت بتلاوته ، هو الحق الكائن من جهة الله ، لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغيير ؛ وقيل : المراد بالحق الصبر مع الفقراء. قال الزجّاج : أي : الذي أتيتكم به (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من الله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) قيل : هو من تمام القول الذي أمر رسوله أن يقوله ، والفاء لترتيب ما قبلها على ما بعدها ، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذي أمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفيه تهديد شديد ، ويكون المعنى : قل لهم يا محمد الحقّ من ربكم ، وبعد أن تقول لهم هذا القول ؛ من شاء أن يؤمن بالله ويصدقك فليؤمن ، ومن شاء أن يكفر به ويكذّبك فليكفر. ثم أكّد الوعيد وشدّده فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) أي : أعددنا وهيأنا للظالمين الذين اختاروا الكفر بالله والجحد له والإنكار لأنبيائه نارا عظيمة (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) أي : اشتمل عليهم. والسرادق : واحد السرادقات. قال الجوهري : وهي التي تمدّ فوق صحن الدار ، وكل بيت من كرسف (١) فهو سرادق ، ومنه قول رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن الجارود |
|
سرادق المجد عليك ممدود |
وقال الشاعر :
هو المدخل النّعمان بيتا سماؤه |
|
صدور الفيول بعد بيت مسردق |
يقوله سلامة بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة. وقال ابن الأعرابي : سرادقها : سورها. وقال القتبي : السرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط. والمعنى : أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من حرّ النار (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) وهو الحديد المذاب. قال الزجّاج : إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر ، وقيل : هو درديّ الزيت. وقال أبو عبيدة والأخفش : هو كلّ ما أذيب من جواهر الأرض من
__________________
(١). «الكرسف» : القطن.