حديد ورصاص ونحاس. وقيل : هو ضرب من القطران. ثم وصف هذا الماء الذي يغاثون به بأنه (يَشْوِي الْوُجُوهَ) إذا قدّم إليهم صارت وجوههم مشوية لحرارته (بِئْسَ الشَّرابُ) شرابهم هذا (وَساءَتْ) النار (مُرْتَفَقاً) متكأ ، يقال ارتفقت : أي : اتكأت ، وأصل الارتفاق نصب المرفق ، ويقال : ارتفق الرجل : إذا نام على مرفقه ، وقال القتبي : هو المجلس ، وقيل : المجتمع. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) هذا شروع في وعد المؤمنين بعد الفراغ من وعيد الكافرين. والمعنى : إن الذين آمنوا بالحق الذي أوحي إليك وعملوا الصالحات من الأعمال (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) هذا خبر إن الذين آمنوا ، والعائد محذوف ، أي : من أحسن منهم عملا ، وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) استئناف لبيان الأجر ، والإشارة إلى من تقدّم ذكره ، وقيل : يجوز أن يكون أولئك خبر إن الذين آمنوا ، وتكون جملة (إِنَّا لا نُضِيعُ) اعتراضا ، ويجوز أن يكون أولئك خبرا بعد خبر ، وقد تقدّم الكلام في جنات عدن ، وفي كيفية جري الأنهار من تحتها (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) قال الزجّاج : أساور جمع أسورة ، وأسورة جمع سوار ، وهي زينة تلبس في الزند من اليد ، وهي من زينة الملوك ، قيل : يحلّى كل واحد منهم ثلاثة أساور ؛ واحد من فضة واحد من لؤلؤ واحد من ذهب ، وظاهر الآية أنها جميعها من ذهب ، ويمكن أن يكون قول القائل هذا جمعا بين الآيات لقوله سبحانه في آية أخرى : (أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) (١) ، ولقوله في آية أخرى (وَلُؤْلُؤاً) (٢) ومن في قوله من أساور للابتداء ، وفي من ذهب للبيان. وحكى الفراء يحلّون بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام ، يقال : حليت المرأة تحلّى ، فهي حالية إذا لبست الحليّ (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) قال الكسائي : السندس الرقيق واحده سندسة ، والإستبرق : ما ثخن ، وكذا قال المفسرون ، وقيل : الإستبرق هو الديباج ؛ كما قال الشاعر :
وإستبرق الديباج طورا لباسها (٣)
وقيل : هو المنسوج بالذهب. قال القتبي : هو فارسيّ معرّب. قال الجوهري : وتصغيره أبيرق ، وخصّ الأخضر لأنه الموافق للبصر ، ولكونه أحسن الألوان (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) قال الزجّاج : الأرائك : جمع أريكة ، وهي السرر في الحجال ، وقيل : هي أسرة من ذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت ، وأصل اتكأ اوتكأ ، وأصل متكئين موتكئين ، والاتكاء : التحامل على الشيء (نِعْمَ الثَّوابُ) ذلك الذي أثابهم الله. (وَحَسُنَتْ) تلك الأرائك (مُرْتَفَقاً) أي : متكأ ، وقد تقدّم قريبا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (مُلْتَحَداً) قال : ملتجأ. وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب ، عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ، وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم ، يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف ، جالسناك وحادثناك وأخذنا
__________________
(١). الإنسان : ٢١.
(٢). الحج : ٢٣ ، وفاطر : ٣٣.
(٣). وصدره : تراهنّ يلبسن المشاعر مرّة.