الحسن ما يسلب عقول المبصرين ، ويذهب بإدراك الناظرين ، فنعم يصح عدّ قطع الأيدي من جملة الآيات ، ولكن ليست هذه الآيات هي المرادة هنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عباس قال : عوقب يوسف ثلاث مرات ؛ أما أوّل مرة فبالحبس لما كان من همه بها ، والثانية لقوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (١) عوقب بطول الحبس ، والثالثة حيث قال : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (٢) ، فاستقبل في وجهه (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (٣).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما) خازن الملك على طعامه ، والآخر ساقيه على شرابه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) قال : عنبا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) قال : عبارته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال : كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزّي حزينهم ، ويداوي مريضهم ، ورأوا منه عبادة واجتهادا فأحبوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والبيهقي في الشعب ، عن الضحّاك قال : كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام عليه ، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له ، وإذا احتاج جمع له. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : دعا يوسف لأهل السجن فقال : اللهمّ لا تعمّ عليهم الأخبار ، وهوّن عليهم مرّ الأيام.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جرير في قوله : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ) الآية قال : كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده علما ، وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معلوما فأرسل به إليه ، فقال يوسف (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) إلى قوله : (يَشْكُرُونَ) فلم يدعه صاحبا الرؤيا حتى يعبر لهما ، فكره العبارة فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ) إلى قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قال : فلم يدعاه فعبر لهما.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) قال : إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله ، ويشكر ما بالناس من نعم الله ، ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول : يا ربّ شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري ، ويا ربّ حامل فقه غير فقيه. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ) الآية قال : لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظّهما من ربّهما وإلى نصيبهما من آخرتهما. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) قال : العدل ، فقال :
__________________
(١). يوسف : ٤٢.
(٢). يوسف : ٧٠.
(٣). يوسف : ٧٧.