طرائق الحق لهم ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) الله سبحانه على نعمه التي أنعم بها عليهم فيؤمنون به ويوحّدونه ويعملون بما شرعه لهم. قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه ، وقيل : المراد : يا صاحبيّ في السجن ؛ لأن السجن ليس بمصحوب بل مصحوب فيه ، وأن ذلك من باب : يا سارق الليلة. وعلى الأوّل يكون من باب قوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ النَّارِ) والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ ، ومعنى التفرّق هنا هو التفرّق في الذّوات والصّفات والعدد ، أي : هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في صفاتهم المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن ، أم الله المعبود بحق المتفرّد في ذاته وصفاته الذي لا ضدّ له ولا ندّ ولا شريك ، القهار الذي لا يغالبه مغالب ولا يعانده معاند؟ أورد يوسف عليهالسلام على صاحبي السجن هذه الحجّة القاهرة على طريق الاستفهام ، لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام ؛ وقد قيل : إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب ، ولهذا قال لهما : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) أي : إلا أسماء فارغة سمّيتموها ولا مسمّيات لها ، وإن كنتم تزعمون أن لها مسمّيات ، وهي الآلهة التي تعبدونها ، لكنها لما كانت لا تستحق التّسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسمّيات لها ؛ وقيل : المعنى : ما تعبدون من دون الله إلا مسمّيات أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم ، وليس لها من الإلهية شيء إلا مجرد الأسماء ؛ لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ ، وإنما قال : (ما تَعْبُدُونَ) على خطاب الجمع وكذلك ما بعده من الضمائر ؛ لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم ، ومفعول سميتموها الثاني محذوف ، أي : سمّيتموها آلهة من عند أنفسكم (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) أي بتلك التسمية (مِنْ سُلْطانٍ) من حجة تدلّ على صحّتها (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي ما الحكم إلا لله في العبادة ، فهو الذي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان ، وجملة (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) مستأنفة ، والمعنى : أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود ، ثم بيّن لهم أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره فقال : (ذلِكَ) أي تخصيصه بالعبادة (الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي : المستقيم الثابت (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن ذلك هو دينه القويم ، وصراطه المستقيم ، لجهلهم وبعدهم عن الحقائق.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : سألت ابن عباس عن قوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) فقال : ما سألني عنها أحد قبلك ، من الآيات : قدّ القميص ، وأثرها في جسده ، وأثر السّكّين ، وقالت امرأة العزيز : إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال : من الآيات كلام الصّبي. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : الآيات حزّهنّ أيديهنّ ، وقدّ القميص.
وأقول : إن كان المراد بالآيات : الآيات الدالة على براءته فلا يصحّ عدّ قطع أيدي النسوة منها ، لأنه وقع منهنّ ذلك لما حصل لهنّ من الدهشة عند ظهوره لهنّ ، مع ما ألبسه الله سبحانه من الجمال الذي تنقطع عند مشاهدته عرى الصبر وتضعف عند رؤيته قوى التجلد ، وإن كان المراد الآيات الدالة على أنه قد أعطي من