والحسبانة : الوسادة ، والحسبانة : الصّاعقة ، وقال النّضر بن شميل : الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في قوس ، ثم يرمى بعشرين منها دفعة ؛ والمعنى : يرسل عليها مرامي من عذابه ؛ إما برد ، وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب. ومنه قول زياد الكلابي : أصاب الأرض حسبان ، أي : جراد (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي : فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسبانا صعيدا ، أي : أرضا لا نبات بها ، وقد تقدّم تحقيقه ، زلقا : أي : تزلّ فيها الأقدام لملاستها ، يقال : مكان زلق بالتحريك : أي دحض ، وهو في الأصل مصدر قولك : زلقت رجله تزلق زلقا ، وأزلقها غيره ، والمزلقة : الموضع الذي لا يثبت عليه قدم ، وكذا الزّلاقة ، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة ، أو أريد به المفعول ، وجملة (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) معطوفة على الجملة التي قبلها ، والغور : الغائر. وصف الماء بالمصدر مبالغة ، والمعنى : أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له ، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائما ، ويجيء الغور بمعنى الغروب ، ومنه قول أبي ذؤيب :
هل الدهر إلا ليلة ونهارها |
|
وإلا طلوع الشمس ثم غيارها |
(فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي : لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلا عن وجوده وردّه ، ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل ؛ وقيل : المعنى : فلن تستطيع طلب غيره عوضا عنه. ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر ، فقال : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) قد قدّمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره ، وأصل الإحاطة من إحاطة العدوّ بالشخص كما تقدّم في قوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) (١) وهي عبارة عن إهلاكه وإفنائه ، وهو معطوف على مقدّر كأنه قيل فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) أي : يضرب إحدى يديه على الأخرى ، وهو كناية عن الندم ، كأنه قيل فأصبح يندم (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) أي : في عمارتها وإصلاحها من الأموال ؛ وقيل : المعنى : يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق ؛ لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم : في يده مال ، وهو بعيد جدّا ، وجملة (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) في محل نصب على الحال ، أي : والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمها التي تعمد بها الكروم ، أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض ، مأخوذ من خوت النجوم تخوي إذا سقطت ولم تمطر في نوئها ، ومنه قوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٢) قيل : وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل ، وأيضا إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي ، وجملة (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) معطوفة على (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) أو حال من ضميره ، أي : وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك ، أو كان هذا القول منه على حقيقته ، لا لما فاته من الغرض الدنيوي ، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) فئة اسم كان وله خبرها ، وينصرونه صفة لفئة ، أي : فئة ناصرة ، ويجوز أن تكون ينصرونه الخبر ، ورجّح الأوّل سيبويه ورجّح الثاني المبرّد ، واحتج بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٣) والمعنى : أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ
__________________
(١). يوسف : ٦٦.
(٢). النمل : ٥٢.
(٣). الإخلاص : ٤.