من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوّة إلا بالله» وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) قال : عذابا (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أي : ذاهبا قد غار في الأرض (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) قال : يصفق (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) متلهّفا على ما فاته.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦))
ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لجبابرة قريش فقال : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يركنوا إليها ، وقد تقدّم هذا المثل في سورة يونس ، ثم بيّن سبحانه هذا المثل فقال : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) ويجوز أن يكون هذا هو المفعول الثاني لقوله : (اضْرِبْ) على جعله بمعنى صير (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أي : اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى ؛ وقيل : المعنى : إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء ؛ لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر ، فتكون الباء في «به» سببية (فَأَصْبَحَ) النبات (هَشِيماً) الهشيم : الكسير ، وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ، ورجل هشيم : ضعيف البدن ، وتهشم عليه فلان : إذا تعطف ، واهتشم ما في ضرع الناقة : إذا احتلبه ، وهشم الثريد : كسره وثرده ، ومنه قول ابن الزّبعرى :
عمرو الذي (١) هشم الثريد لقومه |
|
ورجال مكة مسنتون عجاف |
(تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تفرّقه. قال أبو عبيدة وابن قتيبة : تذروه : تنسفه ، وقال ابن كيسان : تذهب به وتجيء ، والمعنى متقارب. وقرأ طلحة بن مصرّف «تذريه الريح» ، قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله «تذريه» يقال : ذرته الريح تذروه ، وأذرته تذريه. وحكى الفراء : أذريت الرجل عن فرسه ، أي : قلبته (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) أي : على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) هذا ردّ على الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزيّن به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة ، كما قال في الآية الأخرى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٢) وقال : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (٣) ولهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أي : أعمال الخير ، وهي ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات (خَيْرٌ عِنْدَ
__________________
(١). عمرو العلا في اللسان مادة «هشم» ، وتفسير القرطبي (١٠ / ٤١٣) : العلا.
(٢). التغابن : ١٥.
(٣). التغابن : ١٤.