يَمْتَرُونَ) صفة لعيسى ؛ أي : ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون قول الحق ، ومعنى يمترون يختلفون على أنه من المماراة ، أو يشكو على أنه من المرية. وقد وقع الاختلاف في عيسى ؛ فقالت اليهود : هو ساحر ، وقالت النصارى : هو ابن الله (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) أي : ما صحّ ولا استقام ذلك ، و «أن» في محل رفع على أنها اسم كان. قال الزجاج : «من» في (مِنْ وَلَدٍ) مؤكدة تدلّ على نفي الواحد والجماعة ؛ ثم نزّه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَهُ) أي : تنزّه وتقدّس عن مقالتهم هذه ؛ ثم صرّح سبحانه بما هو شأنه ، تعالى سلطانه ، فقال : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : إذا قضى أمرا من الأمور فيكون حينئذ بلا تأخير. وقد سبق الكلام على هذا مستوفى في البقرة ، وفي إيراده في هذا الموضع تبكيت عظيم للنصارى ، أي : من كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟ (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح أن ، وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها ، وهو من تمام كلام عيسى ، وقرأ أبيّ (إِنَّ اللهَ) بغير واو ، قال الخليل وسيبويه في توجيه قراءة النصب بأن المعنى : ولأن الله ربي وربكم ، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض عطفا على الصلاة ، وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على أمرا (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي : هذا الذي ذكرته لكم من أنه ربي وربكم ، هو الطريق القيم الذي لا اعوجاج فيه ، ولا يضلّ سالكه (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) من زائدة للتوكيد ، والأحزاب : اليهود والنصارى ، أي : فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى ، فاليهود قالوا : إنه ساحر ، كما تقدّم ، وقالوا : إنه ابن يوسف النجار ، والنصارى اختلفت فرقهم فيه ، فقالت النسطورية منهم : هو ابن الله ، وقالت الملكية : هو ثالث ثلاثة ، وقالت اليعقوبية : هو الله تعالى ، فأفرطت النصارى وغلت ، وفرّطت اليهود وقصّرت (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المختلفون في أمره (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب ، أو من مكان الشهود فيه ، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم ؛ وقيل : المعنى : فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) قال أبو العباس : العرب تقول هذا في موضع التعجب ، فيقولون : أسمع بزيد وأبصر به ، أي : ما أسمعه وأبصره ، فعجّب الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوسلم منهم. (يَوْمَ يَأْتُونَنا) أي : للحساب والجزاء (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ) أي : في الدنيا (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : واضح ظاهر ، ولكنهم أغفلوا التفكّر والاعتبار والنظر في الآثار (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) أي : يوم يتحسّرون جميعا ، فالمسيء يتحسّر على إساءته ، والمحسن على عدم استكثاره من الخير (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : فرغ من الحساب وطويت الصحف ، وصار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، وجملة (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) في محل نصب على الحال ، أي : غافلين عمّا يعمل بهم ، وكذلك جملة (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في محل نصب على الحال (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) أي : نميت سكانها فلا يبقى بها أحد يرث الأموات ، فكأنه سبحانه ورث الأرض ومن عليها حيث أماتهم جميعا (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) أي : يردّون إلينا يوم القيامة فنجازي كلا بعمله ، وقد تقدّم مثل هذا في سورة الحجر.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (قَوْلَ الْحَقِ) قال : الله الحقّ عزوجل. وأخرج