عبد الرزاق وابن أبي حاتم عنه في قوله : (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) قال : اجتمع بنو إسرائيل وأخرجوا منهم أربعة نفر ، من كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض ، وأحيا من أحيا ، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء ، وهم اليعقوبية ؛ فقالت الثلاثة : كذبت ؛ ثم قال اثنان منهم للثالث : قل فيه ، فقال : هو ابن الله ، وهم النسطورية ؛ فقال اثنان : كذبت ؛ ثم قال أحد الاثنين للآخر : قل فيه ، فقال : هو ثالث ثلاثة ، الله إله ، وعيسى إله ، وأمه إله ، وهم الإسرائيلية ، وهم ملوك النصارى ؛ فقال الرابع : كذبت ، هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته ، وهم المسلمون ، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا ، فظهروا على المسلمين ، فذلك قول الله سبحانه : (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) (١) ، قال قتادة : وهم الذي قال الله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) قال : اختلفوا فيه فصاروا أحزابا ، فاختصم القوم ، فقال المرء المسلم : أنشدكم بالله هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام وأن الله لا يطعم؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فهل تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام؟ قالوا : اللهم نعم ، فخصمهم المسلمون فاقتتل القوم ، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون ، فأنزل الله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) يقول : الكفار يومئذ أسمع شيء وأبصره ، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (يَوْمَ يَأْتُونَنا) قال : ذلك يوم القيامة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون إليه ، فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه ؛ ثم ينادي : يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ، فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، فيؤمر به فيذبح ويقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) الآية ، وأشار بيده وقال : أهل الدنيا في غفلة». وأخرج النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرج ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : يوم الحسرة : هو من أسماء يوم القيامة ، وقرأ : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٢) ، وعليّ هذا ضعيف ، والآية التي استدلّ بها ابن عباس لا تدل على المطلوب لا بمطابقة ولا تضمّن ولا التزام.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ
__________________
(١). آل عمران : ٢١.
(٢). الزمر : ٥٦.