الرشاد. والمعنى : أنهم سيلقون شرّا لا خيرا ؛ وقيل : الغيّ الضلال ، وقيل : الخيبة ، وقيل : هو اسم واد في جهنم ، وقيل : في الكلام حذف ، والتقدير : سيلقون جزاء الغيّ ، كذا قال الزجاج ، ومثله قوله سبحانه : (يَلْقَ أَثاماً) (١) ، أي : جزاء أثام (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي : تاب ممّا فرط منه من تضييع الصلوات واتباع الشهوات ، فرجع إلى طاعة الله وآمن به وعمل عملا صالحا ، وفي هذا الاستثناء دليل على أن الآية في الكفرة لا في المسلمين (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) قرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر (يَدْخُلُونَ) بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) أي : لا ينقص من أجورهم شيء وإن كان قليلا ، فإن الله سبحانه يوفي إليهم أجورهم ، وانتصاب (جَنَّاتِ عَدْنٍ) على البدل من الجنة ، بدل البعض لكون جنات عدن بعض من الجنة. قال الزجاج : ويجوز جنات عدن بالرفع على الابتداء ، وقرئ كذلك. قال أبو حاتم : ولو لا الخط لكان جنة عدن ، يعني : بالإفراد مكان الجمع ، وليس هذا بشيء ، فإن الجنة اسم لمجموع الجنات التي هي بمنزلة الأنواع للجنس. وقرئ بنصب الجنات على المدح ، وقد قرئ جنة بالإفراد (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) هذه الجملة صفة لجنات عدن ، وبالغيب في محل نصب على الحال من الجنات ، أو من عباده ، أي : متلبسة ، أو متلبسين بالغيب ، وقرئ بصرف عدن ، ومنعها على أنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة ، أو علم لأرض الجنة (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي : موعوده على العموم ، فتدخل فيه الجنات دخولا أوّليا. قال الفراء : لم يقل آتيا ، لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، وكذا قال الزجاج (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) هو الهذر من الكلام الذي يلغى ولا طائل تحته ، وهو كناية عن عدم صدور اللغو منهم ، وقيل : اللغو كل ما لم يكن فيه ذكر الله (إِلَّا سَلاماً) هو استثناء منقطع : أي سلام بعضهم على بعض ، أو سلام الملائكة عليهم. وقال الزجّاج : السلام اسم جامع للخير ، لأنه يتضمّن السلامة ، والمعنى : إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤلمهم وإنما يسمعون ما يسلمهم (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قال المفسرون : ليس في الجنة بكرة ولا عشية ، ولكنهم يؤتون رزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) أي : هذه الجنة التي وصفنا أحوالها نورثها من كان من أهل التقوى كما يبقى على الوارث مال موروثه. قرأ يعقوب (نُورِثُ) بفتح الواو وتشديد الراء ، وقرأ الباقون بالتخفيف ؛ وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : نورث من كان تقيا من عبادنا.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) قال : النبيّ الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل ، ولفظ ابن أبي حاتم : الأنبياء الذين ليسوا برسل يوحى إلى أحدهم ولا يرسل إلى أحد. والرسل : الأنبياء الذين يوحى إليهم ويرسلون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) قال : جانب الجبل الأيمن (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) قال : نجا بصدقه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال : قربه حتى سمع صريف القلم ، يكتب في اللوح. وأخرجه الديلمي عنه مرفوعا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ
__________________
(١). الفرقان : ٦٨.