هاهنا الكافر ؛ لأن هذا الاستفهام هنا للإنكار والاستهزاء والتكذيب بالبعث ؛ وقيل : اللام في الإنسان للجنس بأسره وإن لم يقل هذه المقالة إلا البعض ، وهم الكفرة فقد يسند إلى الجماعة ما قام بواحد منهم ، والمراد بقوله «أخرج» أي : من القبر ، والعامل في الظرف فعل دلّ عليه «أخرج» ؛ لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) الهمزة للإنكار التوبيخي ، والواو لعطف الجملة التي بعدها على الجملة التي قبلها ، والمراد بالذكر هنا إعمال الفكر ، أي : ألا يتفكر هذا الجاحد في أوّل خلقه فيستدلّ بالابتداء على الإعادة ، والابتداء أعجب وأغرب من الإعادة ؛ لأن النشأة الأولى هي إخراج لهذه المخلوقات من العدم إلى الوجود ابتداعا واختراعا ، لم يتقدّم عليه ما يكون كالمثال له ، وأما النشأة الآخرة فقد تقدّم عليها النشأة الأولى فكانت كالمثال لها ، ومعنى (مِنْ قَبْلُ) قبل الحالة التي هو عليها الآن ، وجملة (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) في محل نصب على الحال ، أي : والحال أنه لم يكن حينئذ شيئا من الأشياء أصلا ، فإعادته بعد أن كان شيئا موجودا أسهل وأيسر. قرأ أهل مكة وأبو عمرو وأبو جعفر وأهل الكوفة إلا عاصما أولا يذّكّر بالتشديد ، وأصله يتذكر. وقرأ شيبة ونافع وعصام وابن عامر (يَذْكُرُ) بالتخفيف ، وفي قراءة أبيّ أو لا يتذكّر. ثم لما جاء سبحانه وتعالى بهذه الحجة التي أجمع العقلاء على أنه لم يكن في حجج البعث حجّة أقوى منها ، أكّدها بالقسم باسمه سبحانه مضافا إلى رسوله تشريفا له وتعظيما ، فقال : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) ومعنى لنحشرنهم : لنسوقنهم إلى المحشر بعد إخراجهم من قبورهم أحياء كما كانوا ، والواو في قوله : (وَالشَّياطِينَ) للعطف على المنصوب ، أو بمعنى مع. والمعنى : أن هؤلاء الجاحدين يحشرهم الله مع شياطينهم الذين أغروهم وأضلّوهم ، وهذا ظاهر على جعل اللام في الإنسان للعهد ، وهو الإنسان الكافر ، وأما على جعلها للجنس فكونه قد وجد في الجنس من يحشر مع شيطانه (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) الجثيّ : جمع جاث ، من قولهم جثا على ركبتيه يجثو جثوا ، وهو منتصب على الحال ؛ أي : جاثين على ركبهم لما يصيبهم من هول الموقف وروعة الحساب ، أو لكون الجثي على الركب شأن أهل الموقف كما في قوله سبحانه : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) (١) ، وقيل : المراد بقوله جثيا جماعات ، وأصله جمع جثوة ، والجثوة : هي المجموع من التراب أو الحجارة. قال طرفة :
ترى جثوتين من تراب عليهما |
|
صفائح صمّ من صفيح منضّد |
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) الشيعة : الفرقة التي تبعت دينا من الأديان ، وخصّص ذلك الزمخشري فقال : هي الطائفة التي شاعت ، أي : تبعت غاويا من الغواة ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) (٢). ومعنى : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) من كان أعصى لله وأعتى فإنه ينزع من كل طائفة من طوائف الغيّ والفساد أعصاهم وأعتاهم ، فإذا اجتمعوا طرحهم في جهنم. والعتيّ هاهنا مصدر كالعتوّ ، وهو التمرّد في العصيان. وقيل : المعنى : لننزعن من أهل كلّ دين قادتهم ورؤوسهم في الشرّ. وقد
__________________
(١). الجاثية : ٢٨.
(٢). الأنعام : ١٥٩.