اتفق القراء على قراءة «أيهم» بالضم إلا هارون القارئ فإنه قرأها بالفتح. قال الزجاج : في رفع «أيهم» ثلاثة أقوال : الأوّل قول الخليل بن أحمد إنه مرفوع على الحكاية. والمعنى : ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أيهم أشدّ ، وأنشد الخليل في ذلك قول الشاعر :
وقد أبيت من الفتاة بمنزل |
|
فأبيت لا حرج ولا محروم |
أي : فأبيت بمنزلة الذي يقال له هو لا حرج ولا محروم. قال النحّاس : ورأيت أبا إسحاق ، يعني الزجّاج ، يختار هذا القول ويستحسنه. القول الثاني قول يونس : وهو أن لننزعنّ بمنزلة الأفعال التي تلغى وتعلق ، فهذا الفعل عنده معلّق عن العمل في أيّ ، وخصّص الخليل وسيبويه وغيرهما التعليق بأفعال الشك ونحوها ممّا لم يتحقّق وقوعه. القول الثالث قول سيبويه : إن أيهم هاهنا مبنيّ على الضم ؛ لأنه خالف أخواته في الحذف ، وقد غلّط سيبويه في قوله هذا جمهور النحويين حتى قال الزجاج : ما تبيّن لي أن سيبويه غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما. وللنحويين في إعراب أيهم هذه في هذا الموضع كلام طويل. (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) يقال : صلى يصلى صليا (١) ، مثل مضى الشيء يمضي مضيا ، قال الجوهري : يقال : صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها ، فإن ألقيته إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت : أصليته بالألف وصلّيته تصلية ، ومنه (وَيَصْلى سَعِيراً) (٢) ومن خفّف فهو من قولهم : صلي فلان النار بالكسر يصلي صليا احترق ، قال الله تعالى : (بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا). قال العجّاج (٣) :
والله لو لا النار أن نصلاها
ومعنى الآية : أن هؤلاء الذين هم أشدّ على الرحمن عتيا هم أولى بصليها ، أو صليهم أولى بالنار (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) الخطاب للناس من غير التفات ، أو للإنسان المذكور ، فيكون التفاتا ، أي : ما منكم من أحد إلا واردها ، أي : واصلها.
وقد اختلف الناس في هذا الورود ، فقيل : الورود الدخول ، ويكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم. وقالت فرقة : الورود هو المرور على الصراط ؛ وقيل : ليس الورود الدخول ، إنما هو كما تقول : وردت البصرة ولم أدخلها. وقد توقّف كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود ، وحمله على ظاهره لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٤) قالوا : فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها ، وممّا يدلّ على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (٥) فإن المراد أشرف عليه لا أنه دخل فيه ، ومنه قول زهير :
فلمّا وردن الماء زرقا جمامه |
|
وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم |
ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط ، أو الورود على جهنم وهي خامدة فيه جمع بين
__________________
(١). صليا : بضم الصاد ، قراءة نافع وعليها التفسير.
(٢). الانشقاق : ١٢.
(٣). نسبه في اللسان مادة (فيه) إلى الزفيان ، وأورده في أبيات.
(٤). الأنبياء : ١٠١.
(٥). القصص : ٢٣.