الأدلة من الكتاب والسنة ، فينبغي حمل هذه الآية على ذلك ؛ لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعدا من عذابها ، أو بحمله على المضيّ فوق الجسر المنصوب عليها ، وهو الصراط (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي : كان ورودهم المذكور أمرا محتوما قد قضى سبحانه أنه لا بدّ من وقوعه لا محالة ، وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله ، وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرّق الخلف إليه (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : اتقوا ما يوجب النار ، وهو الكفر بالله ومعاصيه ، وترك ما شرعه ، وأوجب العمل به. قرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة ننجي بالتخفيف من أنجى ، وبها قرأ حميد ويعقوب والكسائي ، وقرأ الباقون بالتشديد ، وقرأ ابن أبي ليلى «ثمّه نذر» بفتح الثاء (١) من ثم ، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب النار ، أو ظلموا غيرهم بمظلمة في النفس أو المال أو العرض ، والجثيّ : جمع جاث ، وقد تقدّم قريبا تفسير الجثيّ وإعرابه. وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) إلى آخر الآية» وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم : وكان ذلك الجواب لمحمد. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس قال : «سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيّ البقاع أحبّ إلى الله ، وأيها أبغض إلى الله؟ قال : ما أدري حتى أسأل ، فنزل جبريل ، وكان قد أبطأ عليه ، فقال : لقد أبطأت عليّ حتى ظننت أن بربي عليّ موجدة ، فقال : وما نتنزّل إلا بأمر ربك». وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : «أبطأ جبريل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم أربعين يوما ثم نزل ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما نزلت حتى اشتقت إليك ، فقال له جبريل : أنا كنت إليك أشوق ، ولكني مأمور ، فأوحى الله إلى جبريل أن قل له (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)» وهو مرسل. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : أبطأت الرسل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أتاه جبريل فقال : «ما حبسك عني؟ قال : وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصّون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم ، ولا تأخذون شواربكم ، ولا تستاكون؟ وقرأ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)» وهو مرسل أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) قال : من أمر الآخرة (وَما خَلْفَنا) قال : من أمر الدنيا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) قال : ما بين الدنيا والآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة (وَما بَيْنَ ذلِكَ) قال : ما بين النفختين. وأخرج ابن المنذر عن أبي العالية مثله. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي ، والحاكم وصحّحه ، عن أبي الدرداء رفع الحديث قال : «ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال ، وما حرّم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا ، ثم تلا (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)» ، وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) قال : هل تعرف للربّ شبها أو مثلا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم
__________________
(١). في القرطبي : أي : هناك.