وَأَضْعَفُ جُنْداً) هذا جواب الشرط ، وهو جواب على المفتخرين ؛ أي : هؤلاء القائلون ؛ أيّ الفريقين خير مقاما ، إذا عاينوا ما يوعدون به من العذاب الدنيوي بأيدي المؤمنين ، أو الأخروي ، فسيعلمون عند ذلك من هو شرّ مكانا من الفريقين ، وأضعف جندا منهما ، أي : أنصارا وأعوانا. والمعنى : أنهم سيعلمون عند ذلك أنهم شرّ مكانا لا خير مكانا ، وأضعف جندا لا أقوى ولا أحسن من فريق المؤمنين ؛ وليس المراد أن للمفتخرين هنالك جندا ضعفاء ، بل لا جند لهم أصلا ؛ كما في قوله سبحانه : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) (١). ثم لما أخبر سبحانه عن حال أهل الضلالة ، أراد أن يبين حال أهل الهداية فقال : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) وذلك أن بعض الهدى يجرّ إلى البعض الآخر ، والخير يدعو إلى الخير ؛ وقيل : المراد بالزيادة العبادة من المؤمنين ، والواو في «ويزيد» للاستئناف ، والجملة مستأنفة لبيان حال المهتدين ؛ وقيل : الواو للعطف على فليمدد ؛ وقيل : للعطف على جملة : من كان في الضلالة. قال الزجّاج : المعنى أن الله يجعل جزاء المؤمنين أن يزيدهم يقينا ، كما جعل جزاء الكافرين أن يمدّهم في ضلالتهم (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) هي الطاعات المؤدية إلى السعادة الأبدية ، ومعنى كونها خيرا عند الله ثوابا ، أنها أنفع عائدة ممّا يتمتّع به الكفار من النعم الدنيوية (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) المردّ هاهنا مصدر كالردّ ، والمعنى : وخير مردّ للثواب على فاعلها ليست كأعمال الكفار التي خسروا فيها ، والمردّ : المرجع والعاقبة والتفضل ؛ للتهكم بهم وللقطع بأن أعمال الكفار لا خير فيها أصلا. ثم أردف سبحانه مقالة أولئك المفتخرين بأخرى مثلها على سبيل التعجب فقال : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) أي : أخبرني بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقب حديث أولئك ، وإنما استعملوا أرأيت بمعنى أخبر ؛ لأن رؤية الشيء من أسباب صحة الخبر عنه ، والآيات تعمّ كل آية ومن جملتها آية البعث ، والفاء للعطف على مقدّر يدل عليه المقام ، أي : أنظرت فرأيت ، واللام في (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) هي الموطئة للقسم ، كأنه قال : والله لأوتينّ في الآخرة مالا وولدا ، أي : انظر إلى حال هذا الكافر ، وتعجّب من كلامه ؛ وتألّيه على الله مع كفره به وتكذيبه بآياته. ثم أجاب سبحانه عن قول هذا الكافر بما يدفعه ويبطله ، فقال : (أَطَّلَعَ) على (الْغَيْبَ) أي : أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أنه في الجنة (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) بذلك ، فإن لا يتوصّل إلى العلم إلا بإحدى هاتين الطريقتين ؛ وقيل : المعنى : أنظر في اللوح المحفوظ؟ أم اتّخذ عند الرحمن عهدا؟ وقيل : معنى (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً؟) : أم قال لا إله إلا الله فأرحمه بها. وقيل : المعنى أم قدّم عملا صالحا فهو يرجوه. واطلع مأخوذ من قولهم : اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه. وقرأ حمزة والكسائي ويحيى بن وثّاب والأعمش وولدا بضم الواو ، والباقون بفتحها ، فقيل : هما لغتان معناهما واحد ، يقال : ولد وولد كما يقال عدم وعدم ، قال الحارث بن حلّزة :
ولقد رأيت معاشرا |
|
قد ثمّروا مالا وولدا |
__________________
(١). الكهف : ٤٣.