المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم ، ومنه أيضا قول الشاعر :
أنادي به آل الوليد وجعفرا
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) القرن : الأمة والجماعة (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) الأثاث : المال أجمع : الإبل والغنم والبقر والعبيد والمتاع ، وقيل : هو متاع البيت خاصة ، وقيل : هو الجديد من الفرش ، وقيل : اللباس خاصة. واختلفت القراءات في «ورئيا» فقرأ أهل المدينة وابن ذكوان «وريا» بياء مشدّدة ، وفي ذلك وجهان : أحدهما أن يكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء ، والمعنى على هذه القراءة : هم أحسن منظرا وبه قول جمهور المفسرين ، وحسن المنظر يكون من جهة حسن اللباس ، أو حسن الأبدان وتنعمها ، أو مجموع الأمرين. وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو وابن كثير «ورئيا» بالهمز ، وحكاها ورش عن نافع وهشام عن ابن عامر ، ومعناها معنى القراءة الأولى. قال الجوهري : من همز جعله من المنظر من رأيت ، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة ، وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثّقفي :
أشاقتك الظّعائن يوم بانوا |
|
بذي الرّئي الجميل من الأثاث |
ومن لم يهمز : إما أن يكون من تخفيف الهمزة ، أو يكون من رويت ألوانهم أو جلودهم ريا ؛ أي : امتلأت وحسنت. وقد ذكر الزّجاج معنى هذا كما حكاه عنه الواحدي. وحكى يعقوب أن طلحة بن مصرّف قرأ بياء واحدة خفيفة ، فقيل إن هذه القراءة غلط ، ووجّهها بعض النحويين أنه كان أصلها الهمزة فقلبت ياء ثم حذفت إحدى الياءين ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ بالزاي مكان الراء ، وروي مثل ذلك عن أبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري ، والزيّ : الهيئة والحسن. قيل : ويجوز أن يكون من زويت ، أي : جمعت ، فيكون أصلها زويا فقلبت الواو ياء ، والزيّ : محاسن مجموعة (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجيب على هؤلاء المفتخرين بحظوظهم الدنيوية ، أي : من كان مستقرّا في الضلالة (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) هذا وإن كان على صيغة الأمر ، فالمراد به الخبر ، وإنما خرج مخرج الأمر لبيان الإمهال منه سبحانه للعصاة ، وأن ذلك كائن لا محالة لتنقطع معاذير أهل الضلال ، ويقال لهم يوم القيامة : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) (١) ، أو للاستدراج كقوله سبحانه : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٢) وقيل : المراد بالآية الدعاء بالمد والتنفيس. قال الزجّاج : تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمدّه فيها ؛ لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر كأن المتكلم يقول أفعل ذلك وآمر به نفسي (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) يعني الذين مدّ لهم في الضلالة ، وجاء بضمير الجماعة اعتبارا بمعنى من ، كما أن قوله : (كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ) اعتبار بلفظها ، وهذه غاية للمدّ ، لا لقول المفتخرين إذ ليس فيه امتداد (إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ) هذا تفصيل لقوله ما يوعدون ؛ أي : هذا الذي توعدون هو أحد أمرين إما العذاب في الدنيا بالقتل والأسر ، وإما يوم القيامة وما يحلّ بهم حينئذ من العذاب الأخروي (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً
__________________
(١). فاطر : ٣٧.
(٢). آل عمران : ١٧٨.