قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلّة القسم» ثم قرأ سفيان : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها).
وأخرج أحمد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوّعا ، لا يأخذه سلطان ، لم ير النار بعينيه إلا تحلّة القسم ، فإن الله يقول : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)» والأحاديث في تفسير هذه الآية كثيرة جدّا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (حَتْماً مَقْضِيًّا) قال : قضاء من الله. وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن عكرمة (حَتْماً مَقْضِيًّا) قال : قسما واجبا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) قال : باقين فيها.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠))
الضمير في (عَلَيْهِمْ) راجع إلى الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله : (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) أي : هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعذروا بالدنيا ، وقالوا : لو كنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أطيب من حالنا ، ولم يكن بالعكس ؛ لأن الحكيم لا يليق به أن يهين أولياءه ويعزّ أعداءه ، ومعنى «البينات» : الواضحات التي لا تلتبس معانيها ؛ وقيل : ظاهرات الإعجاز ، وقيل : إنها حجج وبراهين ، والأوّل أولى. وهي حال مؤكدة ؛ لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة ، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) للإشعار بأن كفرهم هو السبب لصدور هذا القول عنهم ، وقيل : المراد بالذين كفروا هنا هم المتمرّدون المصرّون منهم ، ومعنى قالوا : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) قالوا : لأجلهم ، وقيل : هذه اللام هي لام التبليغ ، كما في قوله : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) أي : خاطبوهم بذلك وبلغوا القول إليهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) المراد بالفريقين المؤمنون والكافرون ، كأنهم قالوا أفريقنا خير أم فريقكم ، قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد «مقاما» بضم الميم وهو موضع الإقامة ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإقامة ، وقرأ الباقون بالفتح ، أي : منزلا ومسكنا ، وقيل : المقام الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة ، والمعنى : أيّ الفريقين أكبر جاها وأكثر أنصارا وأعوانا ، والنديّ والنادي : مجلس القوم ومجتمعهم ، ومنه قوله تعالى : (تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (١) وناداه : جالسه في النادي ، ومنه دار الندوة ؛ لأن
__________________
(١). العنكبوت : ٢٩.