أُخْفِيها) قال : لا أظهر عليها أحدا غيري. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : (أَكادُ أُخْفِيها) من نفسي.
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥))
قوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) قال الزجّاج والفرّاء : إن تلك اسم ناقص وصلت بيمينك ، أي : ما التي بيمينك؟ وروي عن الفرّاء أنه قال : تلك بمعنى هذه ، ولو قال ما ذلك لجاز ، أي : ما ذلك الشيء؟ وبالأوّل قال الكوفيون. قال الزّجّاج : ومعنى سؤال موسى عمّا في يده من العصا التنبيه له عليها لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها. قال الفراء : ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى هي عصاي لتثبيت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل ، ومحل (ما) الرفع على الابتداء ، وتلك خبره ، وبيمينك في محل نصب على الحال إن كانت تلك اسم إشارة على ما هو ظاهر اللفظ ، وإن كانت اسما موصولا كان بيمينك صلة للموصول (قالَ هِيَ عَصايَ) قرأ ابن أبي إسحاق عصيّ على لغة هذيل. وقرأ الحسن عصاي بكسر الياء لالتقاء الساكنين ، (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) أي : أتحامل عليها في المشي ، وأعتمدها عند الإعياء والوقوف ، ومنه الاتكاء (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) هشّ بالعصا يهشّ هشا ؛ إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق. قال الشاعر :
أهشّ بالعصا على أغنامي |
|
من ناعم الأراك والبشام |
وقرأ النخعي : أهسّ بالسين المهملة ، وهو زجر الغنم ، وكذا قرأ عكرمة ، وقيل : هما لغتان لمعنى واحد (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) أي : حوائج واحدها مأربة ومأربة ومأربة ، مثلّث الراء ، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب ، ذكر تفصيل منافع العصا ، ثم عقبه بالإجمال.
وقد تعرّض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء : منها قول بعض العرب : عصاي أركزها لصلاتي ، وأعدّها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي ، لتتسع خطوتي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني العثر ، وألقي عليها كسائي ؛ فتقيني الحرّ ، وتدفئني من القرّ ، وتدني إليّ ما بعد مني ، وهي محمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضّراب ، وأقرع به الأبواب ، وأقي بها عقور