وقال امرؤ القيس :
مسحّ إذا ما السّابحات على الونى |
|
أثرن غبارا بالكديد المركّل (١) |
قال الفراء : في ذكري وعن ذكري سواء ، والمعنى : لا تقصرا عن ذكري بالإحسان إليكما ، والإنعام عليكما وذكر النعمة شكرها. وقيل : معنى «لا تنيا» لا تبطئا في تبليغ الرسالة ، وفي قراءة ابن مسعود «لا تهنا في ذكري» (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) هذا أمر لهما جميعا بالذهاب ، وموسى حاضر وهارون غائب تغليبا لموسى ؛ لأنه الأصل في أداء الرسالة ، وعلّل الأمر بالذهاب بقوله : (إِنَّهُ طَغى) أي : جاوز الحدّ في الكفر والتمرّد ، وخصّ موسى وحده بالأمر بالذهاب فيما تقدم ، وجمعهما هنا تشريفا لموسى بإفراده ، وتأكيدا للأمر بالذهاب بالتكرير. وقيل : إن في هذا دليلا على أنه لا يكفي ذهاب أحدهما. وقيل : الأوّل : أمر لموسى بالذهاب إلى كل الناس ، والثاني : أمر لهما بالذهاب إلى فرعون. ثم أمرهما سبحانه بإلانة القول له لما في ذلك من التأثير في الإجابة ، فإن التخشين بادئ بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلّب في الكفر ، والقول اللين : هو الذي لا خشونة فيه ، يقال : لان الشيء يلين لينا ، والمراد تركهما للتعنيف ، كقولهما : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (٢) ، وقيل : القول اللين هو الكنية له ، وقيل : أن يعداه بنعيم الدنيا إن أجاب ، ثم علّل الأمر بإلانة القول له بقوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) أي : باشرا ذلك مباشرة من يرجو ويطمع ، فالرجاء راجع إليهما كما قاله جماعة من النحويين : سيبويه وغيره. وقد تقدّم تحقيقه في غير موضع. قال الزجاج : «لعلّ» لفظة طمع وترجّ ، فخاطبهم بما يعقلون. وقيل : لعلّ ها هنا بمعنى الاستفهام. والمعنى : فانظرا هل يتذكر أو يخشى ، وقيل : بمعنى كي. والتذكير : النظر فيما بلغاه من الذكر وإمعان الفكر فيه حتى يكون ذلك سببا في الإجابة ، والخشية هي خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما ، وكلمة «أو» لمنع الخلوّ دون الجمع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) قال : هو النيل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) قال : كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبته. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال : حبّبتك إلى عبادي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) قال : تربّى بعين الله. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : لتغذى على عيني. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : يقول : أنت بعيني إذ جعلتك أمّك في التابوت ، ثم في البحر ، وإذ تمشي أختك. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنما قتل موسى الذي
__________________
(١). «مسح» : سحّ : انصبّ. «السابحات» : التي تبسط يديها إذا عدت. «الونى» : الفتور. «الكديد» : ما غلظ من الأرض. «المركل» : الذي ركلته الخيل بحوافرها.
(٢). النازعات : ١٨.