(فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) الهمس : الصوت الخفي. قال أكثر المفسرين : هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر ، ومنه قول الشاعر :
وهنّ يمشين بنا هميسا
يعني صوت أخفاف الإبل.
وقال رؤبة يصف نفسه :
ليث يدقّ الأسد الهموسا |
|
والأقهبين (١) الفيل والجاموسا |
يقال للأسد : الهموس ، لأنه يهمس في الظلمة ، أي : يطأ وطأ خفيا. والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفيّ سواء كان بالقدم ، أو من الفم ، أو غير ذلك ، ويؤيده قراءة أبيّ بن كعب «فلا ينطقون إلا همسا» (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أي : يوم يقع ما ذكر لا تنفع الشفاعة من شافع كائنا من كان (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أي : إلا شفاعة من أذن له الرحمن أن يشفع له (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) أي : رضي قوله في الشفاعة ، أو رضي لأجله قول الشافع. والمعنى : إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له ، وكان له قول يرضي ، ومثل هذه الآية قوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢) ، وقوله : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٣) ، وقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٤). (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي : ما بين أيديهم من أمر الساعة ، وما خلفهم من أمر الدنيا ، والمراد هنا جميع الخلق ، وقيل : المراد بهم الذين يتبعون الداعي ، وقال ابن جرير : الضمير يرجع إلى الملائكة ، أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) أي : بالله سبحانه ، لا تحيط علومهم بذاته ، ولا بصفاته ، ولا بمعلوماته ، وقيل : الضمير راجع إلى ما في الموضعين ؛ فإنهم لا يعلمون جميع ذلك (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي : ذلت وخضعت ، قاله ابن الأعرابي. قال الزجّاج : معنى عنت في اللغة خضعت ، يقال : عنا يعنو عنوا إذا خضع ، ومنه قيل للأسير : عان ، ومنه قول أمية بن أبي الصّلت :
مليك على عرش السّماء مهيمن |
|
لعزّته تعنو الوجوه وتسجد |
وقيل هو من العناء ، بمعنى التعب. (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) أي : خسر من حمل شيئا من الظلم ، وقيل : هو الشرك (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) أي : الأعمال الصالحة (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله ؛ لأن العمل لا يقبل من غير إيمان ، بل هو شرط في القبول (فَلا يَخافُ ظُلْماً) يصاب به من نقص ثواب في الآخرة (وَلا هَضْماً) الهضم : النقص والكسر ، يقال هضمت لك من حقّي ، أي : حططته وتركته ، وهذا يهضم الطعام ، أي : ينقص ثقله ، وامرأة هضيم الكشح ، أي : ضامرة البطن ، وقرأ ابن كثير ومجاهد «لا يخف» بالجزم جوابا لقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) وقرأ الباقون (يَخافُ) على الخبر.
__________________
(١). سمّي الفيل والجاموس أقهبين للونهما ؛ وهو الغبرة.
(٢). الأنبياء : ٢٨.
(٣). مريم : ٨٧.
(٤). المدثر : ٤٨.