(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢))
قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) معطوف على قوله : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي : مثل ذلك الإنزال أنزلناه ، أي : القرآن حال كونه (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي : بلغة العرب ليفهموه (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) بينا فيه ضروبا من الوعيد تخويفا وتهديدا ، أو كررنا فيه بعضا منه (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : كي يخافوا الله فيتجنبوا معاصيه ، ويحذروا عقابه (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) أي : اعتبارا واتّعاظا ، وقيل : ورعا ، وقيل : شرفا ، وقيل : طاعة وعبادة ؛ لأن الذكر يطلق عليها. وقرأ الحسن «أو نحدث» بالنون (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) لما بين للعباد عظيم نعمته عليهم بإنزال القرآن نزّه نفسه عن مماثلة مخلوقاته في شيء من الأشياء ، أي : جلّ الله عن إلحاد الملحدين وعمّا يقول المشركون في صفاته ، فإنه الملك الذي بيده الثواب والعقاب ، وإنه (الْحَقُ) أي ذو الحق. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي : يتمّ إليك وحيه. قال المفسرون : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي ؛ حرصا منه على ما كان ينزل عليه منه ، فنهاه الله عن ذلك ، ومثله قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١) على ما يأتي إن شاء الله ، وقيل : المعنى : ولا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله ، وقرأ ابن مسعود ويعقوب والحسن والأعمش «من قبل أن نقضي» بالنون ونصب وحيه (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) أي : سل ربّك زيادة العلم بكتابه (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من تصريف الوعيد ، أي : لقد أمرناه ووصّيناه ، والمعهود محذوف ، وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة ، ومعنى (مِنْ قَبْلِ) أي : من قبل هذا الزمان (فَنَسِيَ) قرأ الأعمش بإسكان الياء ، والمراد بالنسيان هنا : ترك العمل بما وقع به العهد إليه فيه ، وبه قال أكثر المفسرين ، وقيل : النسيان على حقيقته ، وأنه نسي ما عهد الله به إليه وينتهي عنه ، وكان آدم مأخوذا بالنسيان في ذلك الوقت ، وإن كان النسيان مرفوعا عن هذه الأمة ، والمراد من الآية تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على القول الأوّل. أي : إن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم ، وإن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم ، كذا قال ابن جرير والقشيري ، واعترضه ابن عطية قائلا بأن كون
__________________
(١). القيامة : ١٦.