آدم مماثلا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، وقرئ فنسي بضم النون وتشديد السين مكسورة مبنيا للمفعول ، أي : فنسّاه إبليس (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) العزم في اللغة : توطين النفس على الفعل والتصميم عليه ، والمضيّ على المعتقد في أيّ شيء كان ، وقد كان آدم عليهالسلام قد وطّن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمّم على ذلك ، فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته ، وفتر عزمه ، وأدركه ضعف البشر ؛ وقيل : العزم الصبر ، أي : لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة. قال النحاس : وهو كذلك في اللغة ، يقال : لفلان عزم ، أي : صبر وثبات على التحفظ عن المعاصي حتى يسلم منها ، ومنه : (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ، وقيل : المعنى : ولم نجد له عزما على الذنب ، وبه قال ابن كيسان ، وقيل : ولم نجد له رأيا معزوما عليه ، وبه قال ابن قتيبة. ثم شرع سبحانه في كيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه ، والعامل في إذ مقدّر ، أي : (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث للمبالغة ؛ لأنه إذا وقع الأمر بذكر الوقت كان ذكر ما فيه من الحوادث لازما بطريق الأولى ، وقد تقدّم تفسير هذه القصّة في البقرة مستوفى ، ومعنى (فَتَشْقى) فتتعب في تحصيل ما لا بدّ منه في المعاش كالحرث والزرع ، ولم يقل فتشقيا ؛ لأن الكلام من أوّل القصة مع آدم وحده ، ثم علّل ما يوجبه ذلك النهي بما فيه الراحة الكاملة عن التعب والاهتمام فقال : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) أي : في الجنة. والمعنى : إن لك فيها تمتّعا بأنواع المعايش وتنعّما بأصناف النعم من المآكل الشهية والملابس البهية ، فإنه لما نفى عنه الجوع والعري أفاد ثبوت الشبع والاكتساء له ، وهكذا قوله : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) فإن نفي الظمأ يستلزم حصول الرّيّ ووجود المسكن ؛ الذي يدفع عنه مشقة الضحو. يقال ضحا الرجل يضحو ضحوا ؛ إذا برز للشمس فأصابه حرّها ، فذكر سبحانه هاهنا أنه قد كفاه الاشتغال بأمر المعاش وتعب الكدّ في تحصيله ، ولا ريب أن أصول المتاعب في الدنيا هي تحصيل الشبع والريّ والكسوة والكنّ ، وما عدا هذه ففضلات يمكن البقاء بدونها ، وهو إعلام من الله سبحانه لآدم أنه إن أطاعه فله في الجنة هذا كله ، وإن ضيّع وصيته ولم يحفظ عهده أخرجه من الجنة إلى الدنيا ، فيحلّ به التعب والنصب بما يدفع الجوع والعري والظمأ والضحو ، فالمراد بالشقاء شقاء الدنيا كما قاله كثير من المفسرين لا شقاء الأخرى. قال الفراء : هو أن يأكل من كدّ يديه ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما «وأنك لا تظمأ» بفتح أن ، وقرأ الباقون بكسرها على العطف على «إنّ لك». (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) قد تقدّم تفسيره في الأعراف في قوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) أي : أنهى إليه وسوسته ، وجملة (قالَ يا آدَمُ) إلى آخره إما بدل من وسوس أو مستأنفة بتقدير سؤال ، كأنه قيل : فماذا قال له في وسوسته؟ و (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) هي الشجرة التي من أكل منها لم يمت أصلا (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) أي : لا يزول ولا ينقضي (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) قد تقدّم تفسير هذا وما بعده في الأعراف. قال الفراء : ومعنى «طفقا» في العربية : أقبلا ، وقيل : جعلا يلصقان عليهما من ورق التين (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) أي : عصاه بالأكل من الشجرة ، فغوى ، فضلّ عن الصواب أو عن مطلوبه ، وهو الخلود بأكل تلك الشجرة ، وقيل : فسد عليه عيشته بنزوله إلى الدنيا ، وقيل : جهل موضع رشده ،