آدم موسى قال له : أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم بمعصيتك ، قال آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، أتلومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني ، أو قدّره عليّ قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فحجّ آدم موسى».
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧))
قوله : (قالَ اهْبِطا) قد مرّ تفسيره في البقرة ، أي : انزلا من الجنة إلى الأرض ، خصّهما الله سبحانه بالهبوط لأنهما أصل البشر ، ثم عمّم الخطاب لهما ولذرّيتهما فقال : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) والجملة في محل نصب على الحال ، ويجوز أن يقال خاطبهما في هذا وما بعده خطاب الجمع ؛ لأنهما منشأ الأولاد. ومعنى (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) تعاديهم في أمر المعاش ونحوه ، فيحدث بسبب ذلك القتال والخصام (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) بإرسال الرسل وإنزال الكتب (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) أي : لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي : عن ديني ، وتلاوة كتابي ، والعمل بما فيه ، ولم يتبع هداي (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي : فإن له في هذه الدنيا معيشة ضنكا ، أي : عيشا ضيقا. يقال : منزل ضنك وعيش ضنك ، مصدر يستوي فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث ، قال عنترة :
إنّ المنيّة لو تمثّل مثّلت |
|
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل |
وقرئ ضنكى بضم الضاد على فعلى. ومعنى الآية : إن الله عزوجل جعل لمن اتبع هداه وتمسّك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشا هنيا غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه ، كما قال سبحانه : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (١) ، وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشا ضيقا وفي تعب ونصب ، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب ، فهو في الأخرى أشدّ تعبا وأعظم ضيقا وأكثر نصبا ، وذلك معنى (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أي : مسلوب البصر ، وقيل : المراد العمى عن الحجة ، وقيل : أعمى عن جهات الخير لا يهتدي إلى شيء منها ، وقد قيل : إن المراد بالمعيشة الضنكى عذاب القبر ، وسيأتي ما يرجّح هذا ويقوّيه (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) في الدنيا (قالَ كَذلِكَ) أي : مثل ذلك فعلت أنت ، ثم فسّره بقوله : (أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) أي : أعرضت عنها ، وتركتها ، ولم تنظر فيها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) أي : مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا تنسى ، أي : تترك في العمى والعذاب في النار ، قال الفراء : يقال : إنه يخرج بصيرا من قبره فيعمى في حشره (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) أي : مثل
__________________
(١). النحل : ٩٧.