وقد أخرج النّسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) قال : «في الدنيا». وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الآية قال : «من أمر الدنيا». وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أي : فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) كل هذا قد كان منه (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي : أن الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إذا كان ما تقوله حقا ، ويسرّك أن نؤمن ، فحوّل لنا الصفا ذهبا ، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ، ثم لم يؤمنوا لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك ، قال : «بل أستأني بقومي» ، فأنزل الله (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) يقول : لم نجعلهم جسدا ليس يأكلون الطعام ، إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥))
نبّه عباده على عظيم نعمته عليهم بقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً) يعني القرآن (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) صفة ل «كتابا» ، والمراد بالذكر هنا الشرف ، أي : فيه شرفكم ، كقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١) وقيل : فيه ذكركم ، أي : ذكر أمر دينكم ، وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب ، وقيل : فيه حديثكم. قاله مجاهد. وقيل : مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم. وقيل : فيه العمل بما فيه حياتكم. قاله سهل بن عبد الله. وقيل : فيه موعظتكم ، والاستفهام في (أَفَلا تَعْقِلُونَ) للتوبيخ والتقريع ، أي : أفلا تعقلون أن الأمر كذلك ، أو لا تعقلون شيئا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر ، ثم أوعدهم وحذّرهم ما
__________________
(١). الزخرف : ٤٤.