شيئا. قال ابن قتيبة : أي : ميتة يابسة كالنار إذا طفئت ، وقيل : دارسة ، والهمود : الدروس ، ومنه قول الأعشى :
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا |
|
وأرى ثيابك باليات همّدا |
وقيل : هي التي ذهب عنها النّدى ، وقيل : هالكة ، ومعاني هذه الأقوال متقاربة. (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) المراد بالماء هنا المطر ، ومعنى اهتزّت تحركت ، والاهتزاز : شدّة الحركة ، يقال : هززت الشيء فاهتزّ ، أي : حركته فتحرك. والمعنى : تحرّكت بالنبات ؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة ، فسمّاه اهتزازا مجازا. وقال المبرد : المعنى اهتزّ نباتها ، فحذف المضاف ، واهتزازه : شدّة حركته ، والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض ، ومعنى ربت : ارتفعت ، وقيل : انتفخت. والمعنى واحد ، وأصله الزيادة ، يقال : ربا الشيء يربو ربوّا إذا زاد ، ومنه الربا والرّبوة. وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس «وربأت» أي : ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة ، وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف ، يقال له رابئ ورابئة وربيئة. (وَأَنْبَتَتْ) أي : أخرجت (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي : من كلّ صنف حسن ولون مستحسن ، والبهجة : الحسن ، وجملة (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) مستأنفة. لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق إرادته واقتداره ، قال بعد ذلك هذه المقالات ، وهي إثبات أنه سبحانه الحق ، وأنه المتفرد بإحياء الموتى ، وأنه قادر على كل شيء من الأشياء. والمعنى : أنه المتفرد بهذه الأمور ، وأنها من شأنه ، لا يدّعي غيره أنه يقدر على شيء منها ، فدلّ سبحانه بهذا على أنه الحقّ الحقيقي الغنيّ المطلق ؛ وأن وجود كل موجود مستفاد منه ، والحق : هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول ؛ وقيل : ذو الحقّ على عباده ، وقيل : الحقّ في أفعاله. قال الزّجّاج : ذلك في موضع رفع ، أي : الأمر ما وصفه لكم وبيّن بأن الله هو الحق. قال : ويجوز أن يكون ذلك نصبا ، ثم أخبر سبحانه بأن (السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي : في مستقبل الزمان ، قيل : لا بدّ من إضمار فعل ، أي : ولتعلموا أن الساعة آتية (لا رَيْبَ فِيها) أي : لا شك فيها ولا تردّد ، وجملة (لا رَيْبَ فِيها) خبر ثان للساعة ، أو في محل نصب على الحال. ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فيجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، وأن ذلك كائن لا محالة.
وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد ، والترمذي وصحّحه ، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال : «لما نزلت (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إلى قوله (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) أنزلت عليه هذه وهو في سفر ، فقال : أتدرون أيّ يوم ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار ، قال : يا ربّ وما بعث النار؟ قال : من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة. فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قاربوا وسدّدوا وأبشروا ، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية ، فيؤخذ العدد من الجاهلية ، فإن تمت وإلا كملت